الرفاعي : مواجهة التحدي الظلامي بالتنوير
18-04-2016 05:49 PM
عمون- قال رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، ان "هناك محاولة لحصر تعريف الإقتصاد بقوانين الضريبة والشراكة والإستثمار، في حين أن "النظرة الشمولية، تعني أنه علينا أن ننظر بمنظار أوسع بكثير لنرى مواقع الخلل كي نستطيع التخطيط للمستقبل".
وأضاف خلال محاضرة له في جامعة آل البيت اليوم الإثنين، ان هذا يعني أولا أن "ننظر للجانب الإجتماعي والتربوي من المسألة وأثرها على الطبقة الوسطى ودورها ومكانة الأسرة وعلى مستقبل الشباب وحقهم المكفول بالعمل".
وتابع الرفاعي: "ومن موقع المواطنة والشعور بالمسؤولية أن تحدثت عن العديد من الخطوات الفورية التي التي أعتقد أنها قد تكون مفيدة لتحفيز الاقتصاد وخلق فرص أفضل لشبابنا، وهو ما أعتقد فيه اليوم أولوية تتقدم على أي اعتبار آخر، بحيث يجب أن تتحد وتتكثف الجهود والطاقات والخطط والبرامج، لمجابهة تحدي البطالة وبشكل منهجي مدروس ودائم يكفل توفير فرص العمل اللائقة والكريمة لشاباتنا وشبابنا، ليتمكنوا من بناء حاضرهم ومستقبلهم بثقة وإيجابية، ويساهموا في خدمة وطنهم وليواصلوا المسيرة التي أطلقها أشراف آل البيت، في الدفاع عن قيم العدالة والاعتدال والنهضة الشاملة".
وزاد: "الحديث عن الشباب والتحديات التي يواجهونها، يستدعي الانطلاق من نقطة محددة. وهناك نقطة لقاء افتراضية في حياة الشاب عندما يصل إلى عمر الـ 22. وهي السنة التي يتخرج الشاب فيها من الجامعة ويبدأ في رحلة البحث عن عمل، ومن ثم التأسيس لمرحلة أخرى، تتمثل في الزواج وبناء الأسرة، وهي لحظة التحول الأهم تبدأ منها مرحلة أخرى تستمر لبقية حياته، هذه المرحلة، أسميها نقطة التقاء لأنه عندها يتقاطع مجالان رئيسيان يجب معالجتهما من قبل الحكومة والمجتمع، والأهل، ومن قبل الجميع".
وفيما يلي كلمة العين سمير الرفاعي رئيس الوزراء الاسبق في جامعة ال البيت :
بسم الله الرحمن الرحيم
الأساتذة الأجلاء،
الأخوات والأخوة الطلبة،
الحضور الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،
أتقدم ابتداء بالشكر الجزيل للأخوة في جامعة آل البيت، لاتاحتهم الفرصة أمامي، للقاء هذه الوجوه الكريمة، من قادة الفكر والعمل العام والمختصين والطلبة، في هذا الصرح الأكاديمي، الذي يحمل اسما يجمع ولا يفرق، ويحمل معاني الرسالة والنهضة والاعتدال، في هذه الأيام، التي تتوسط احتفالات المملكة بمناسباتنا الوطنية، وفي هذا العام الذي نحتفل فيه بالمئوية الأولى للثورة العربية الكبرى، التي أطلقها وقادها سيد كبير من سادة آل البيت، هو الشريف المغفور له الحسين بن علي، وأنجاله أشراف العرب، في سبيل وحدة الأمة ونهضتها واستقلالها.
وهي فرصة ثمينة كذلك، للقاء الأهل والأخوة أبناء محافظة المفرق الغالية، والتي كانت على الدوام، عنوانا للخير والعطاء وقدمت للوطن كوكبة كريمة من الرجالات المخلصين الصادقين، في كافة ميادين العمل والتضحية، وهي المحافظة التي جمعت الأردنيين، من كافة خلفياتهم واتجاهاتهم، وقدمتْ النموذج الراقي في العمل الثقافي والسياسي وفي تكريس قيم المروءة والشهامة.
وفي هذا اللقاء، أرغب أن نأخذ منحى الحوار، خصوصا وأن الأخوة القائمين على اللقاء، اختاروا واحدا من أهم المحاور، ألا وهو محور "الشباب بين التحديات والفرص". والصحيح أن هناك العديد من التحديات التي تواجه شبابنا اليوم. ولكننا وكما تعلمنا من جلالة سيدنا، مطالبون بالبحث والعمل لتحويل هذه التحديات إلى فرص حقيقية.
لقد سبق لي وتحدثت، وفي أكثر من مناسبة، عن العديد من القضايا التي تتراوح بين المسائل الاقتصادية والمالية مثل العجز والمديونية والبطالة وضرورة خلق فرص العمل. ونسمع البعض يتحدث عن النظرة الشمولية للإقتصاددون الدخول في التفاصيل والمدخلات التي على علاقة مباشرة بالإقتصاد ككل. والواضح أن هناك محاولة لحصر تعريف الإقتصاد بقوانين الضريبة والشراكة والإستثمار. في حين أن النظرة الشمولية، تعني أنه علينا أن ننظر بمنظار أوسع بكثير لنرى مواقع الخلل كي نستطيع التخطيط للمستقبل. وهو ما يعني أولا أن ننظر للجانب الإجتماعي والتربوي من المسألة وأثرها على الطبقة الوسطى ودورها ومكانة الأسرة وعلى مستقبل الشباب وحقهم المكفول بالعمل.
وسبق لي، ومن موقع المواطنة والشعور بالمسؤولية أن تحدثت عن العديد من الخطوات الفورية التي التي أعتقد أنها قد تكون مفيدة لتحفيز الاقتصاد وخلق فرص أفضل لشبابنا. وهو ما أعتقد فيه اليوم أولوية تتقدم على أي اعتبار آخر، بحيث يجب أن تتحد وتتكثف الجهود والطاقات والخطط والبرامج، لمجابهة تحدي البطالة وبشكل منهجي مدروس ودائم يكفل توفير فرص العمل اللائقة والكريمة لشاباتنا وشبابنا، ليتمكنوا من بناء حاضرهم ومستقبلهم بثقة وإيجابية، ويساهموا في خدمة وطنهم وليواصلوا المسيرة التي أطلقها أشراف آل البيت، في الدفاع عن قيم العدالة والاعتدال والنهضة الشاملة.
والحديث عن الشباب والتحديات التي يواجهونها، يستدعي الانطلاق من نقطة محددة. وهناك نقطة لقاء افتراضية في حياة الشاب عندما يصل إلى عمر الـ 22. وهي السنة التي يتخرج الشاب فيها من الجامعة ويبدأ في رحلة البحث عن عمل، ومن ثم التأسيس لمرحلة أخرى، تتمثل في الزواج وبناء الأسرة، وهي لحظة التحول الأهم تبدأ منها مرحلة أخرى تستمر لبقية حياته. هذه المرحلة، أسميها نقطة التقاء لأنه عندها يتقاطع مجالان رئيسيان يجب معالجتهما من قبل الحكومة والمجتمع، والأهل... ومن قبل الجميع.
دعونا نبدأ من الجانب الأول للمعادلة، ألا وهو المراحل العديدة لتطور شبابنا. وكيف يتم تأهيلهم ليكونوا راشدي الغد. هذا يبدأ بكيفية تربيتهم في المنزل، وما يتعلمونه في المدرسة ثم الجامعة أو المعهد، ومن خلال عملية شراكة مع الشاب أنفسهملإعداد جيل كفؤ ومستعد لمواجهة تحديات الغد.
والحديث في هذا السياق طويل. والبداية لا شك، هي من البيت والأسرة من خلال التأكيد على معاني التكافل والعمل الجماعي والروح الإيجابية والمبادرة والانسجام مع المحيط والتفاعل معه. وهنا أؤكد أننا كمجتمع علينا مسؤولية تاريخية لتربية جيل متسلح بالقيم والمبادئ المبنية على قواعد الوسطية وعدم التعصب أو التطرف لأن هذا الجيل سيتحمل مسؤولية كبيرة، وهي إعادة بناء ما خرّبه ودمّره الإرهابيون والمتطرفون في منطقتنا. وهنا، علينا كأهالي ومجتمع أن نرسخ روح المواطنة عند أولادنا وبناتنا وعلينا أن ننهض ببلدنا لا أن ننتظر أحدا ما أن يأتي لكي يحل مشاكلنا ويقرر مستقبلنا، علينا أن نعلم أبناءنا بأننا نحن منْ نصنع مستقبلنا بأيدينا.
وهذا، يدعونا للتساؤل فيما إذا كانت مدارسنا اليوم ترعى المهارات الأساسية لتمكين بناتنا وأبنائنا من أدوات الحاضر والمستقبل،من خلال أولا تسليحهم بالعلم الأساسي عبر تطوير المناهج وتدريب المعلمين، ومن ثم تطوير ثقة الطلاب بأنفسهم ليتمكنوا من التعبير عن الرأي، ويمتلكوا التفكير المنطقي وأدوات الإقناع وكيفية البحث وكيفية العمل ضمن مجموعة على مشروع ما، وكيف يكونوا خلاقين ومبدعين، وكيفية تطوير عادات صحية وأتباع أسلوب حياة صحي ورياضي. فالسؤال، إذن، هو هل تقوم مدارسنا بتطوير المهارات الخاصة إلى جانب المهارات الأساسية؟
لقد آن الأوان للتركيز على التعليم واعتباره الركيزة الأساسية للإصلاح الشامل، ولمتطلبات الإصلاح الإقتصادي. وبكل أسف، نرى اليوم أنه تم صرف مبالغ لا بأس بها من الموازنة والمنح على الخلطات الإسفلتية بدلا من تطوير التعليم والذي يتطلب إستثمارا ضخما أولا في البنية التحتية وأيضا في تدريب المعلمين والمربيين وتحسين أوضاعهم المعيشيّة، وإعداد مناهج جديدة كليا تواكب القرن الواحد والعشرين. وأقترحهنا أن نؤجل العديد من مشاريع تعبيد الطرق وأن نوظف هذه المبالغ الكبيرة في مدارسنا وتعليم أبنائنا. فمثلا، بدلا من ان نضع قوائم للمدارس الأقل حظا لماذا لا نرفع سوية هذه المدارس وبالتالي لا يكون هناك أقل حظا وأكثر حظا.
علينا أن نعمل على إعادة الإعتبار للمدارس الحكومية كافة، وأن تكون بنفس مستوى المدارس الخاصة بل وأحسن. وبالمناسبة علينا زيادة الإستثمار بتنمية المحافظات وتطوير نقل عام محترم يليق بالأردنيين ويربط المدن والمحافظات.
ثم ننتقل إلى جامعاتنا لنسأل هل تشجع الجامعات النقاش والحياة السياسية داخل جدرانها؟ هل التعليم العالي مجرد امتداد للمدرسة الثانوية حيث يتم تعليم الطلاب "ما" بدلا من "كيف" و "لماذا"؟هل توجد شراكة حقيقية مع القطاع الخاص للتأكد من أن مخرجات التعليم العالي تتواءم مع متطلبات سوق العمل. فالغاية هنا أن نخرج جيلا منتجا متعلما يضيف إلى إنجازات الوطن.ولدينا من المواهب مايكفي لمواجهة هذه التحديات مما يجعلني متفائلا بخصوص مستقبلنا.وفي هذا السياق، أطالب بتجميد تراخيص الجامعات وعدم ترخيص المزيد وإيجاد حوافز للجامعات التي ترغب بالتحول لكليات تقنية أو مهنية.
وعلينا أن نتخلص من المفهوم الخاطيء الذي يسيطر على أذهان الشريحة الأكبر من مجتمعاتنا والذي يعطي للشهادة الجامعية أهمية ووزن أكبر من الذي يعطيه للشهادة التقنية حتى عند التعيين في معظم الوظائف على اختلافها. علينا أن نعيد الإعتبار للشهادة التقنية هنا في الأردن كأحد الوسائل لخفض مستوى البطالة كما هو الحال في العديد من الدول المتقدمة مثل ألمانيا حيث يختار 51.5%من الشباب هناك المسار المهني مما قد ساهم في تدني نسب البطالة ضمن فئة الشباب بشكل كبير.
هذه القضايا هي في غاية الأهمية لضمان أن يكون الشباب والشابات المتخرجون من الجامعات مؤهلين جيدا لدخول الحياة العملية وسوق العمل لكي يصبحوا أعضاء منتجين وفاعلين في المجتمع. ولا يمكن لأي قدر من الحوافز الاقتصادية وتشجيع الاستثمار أن تخلق فرص عمل مناسبة لأفراد ما لم يكونوا مؤهلين.
أما الجانب الآخر من المعادلةفيكمن في بيئة العمل، وهنا أيضا يوجد دور محوري للحكومة والسلطة التشريعية، فأولا علينا تحفيز الإستثمار المحلي والخارجي والذي يخلق فرص العمل للأردنيين. الأولوية الأولى للدولة يجب أن تكون خلق فرص للعمل – لدينا في الأردن من أعلى مستويات البطالة عند الشباب وذلك لأننا لم نعط الرعاية الكافية للجانب الأول من المعادلة وعلينا أن نعمل أكثر بكثير، وبالجانب الآخر لم نعط الحوافز الحقيقية للقطاع الخاص لخلق فرص العمل ورفع الدخل. المعادلة هنا هي: زيادة فرص العمل وتأهيل شبابنا للإستفادة من هذه الفرص.
وتحدثت كثيرا عن المبادرات الخاصة بالشباب وأكرر هنا، ضرورة إعفاء الشاب أو الشابة عند بلوغهما سن 22، من رسوم البيع والشراء لمرة واحدة، وذلك عند شراء أول شقة وإعفاء الأثاث والمتاع من ضرائب المبيعات لمرة واحدة.
هذه ملامح عامة، عن النهج الشمولي الصحيح الذي يتعين علينا أن نبدأ التفكير به. نحن بحاجةماسة وحقيقية إلى تنمية الاقتصاد وجلب المستثمرينوتحفيز النمو ومكافأة النجاح والاحتفاء به، وخلق فرص متكافئة مبنية على الشفافية والثقة والنزاهة. ومن ناحية أخرى، نحن بحاجة لتطوير وتحديثالمدارس والمراكز في مجتمعاتنا والتشجيع على الأنشطة اللامنهجية ما بعد المدرسة. هذا هو أفضل استثمار يمكن أن نقدمه.
الأخوة الحضور،
ومن جامعة آل البيت، ومن محافظة المفرق، صاحبة الريادة ونقطة الوصل والاتصال وعنوان الانفتاح على المدى العروبي، اسمحوا لي أن أقول إن التحدي الظلامي الذي يستهدف أبناءنا وشبابنا على وجه الخصوص، لا يمكن مواجهته إلا بالتنوير وبالثقة بالذات وبث الروح الإيجابية، ونبذ التفرقة والتعصب والانعزال. وهذا أيضا، لا يمكن تحقيقه بالشعارات وحدها، وإنما بالبرامج والسياسات، القابلة للتنفيذ وللقياس والمساءلة.
إننا اليوم نمتلك من نقاط القوة ما يكفي لنواصل طريقنا بثقة وعزيمة في مجالات البناء وفي دفاعنا عن صورة إسلامنا الحنيف، وفي تأكيد انتمائنا الواعي لرسالة آل البيت الأطهار ولمبادئ النهضة العربية الكبرى، فالأردن، وبحمد الله وفضله، برهن خلال العقود الماضية، أنه الأقوى بالتفاف أبناء شعبه حول قيادتهم الهاشمية المعطاءة، وبقوة مؤسساته، وبجيشه العربي وأجهزته الأمنية، وبدماء شهدائه البررة، ونحن اليوم الأقدر على مواجهة التحديات بالعزيمة والمبادرة، وبالتخطيط السليم، وتحصين جبهتنا الداخلية، وتأمين مستقبل شبابنا وشاباتنا.
أكرر الشكر لجامعة آل البيت، وللحضور الكريم، وأسأل الله العلي القدير، أن يحفظ الأردن وأهله، وأن يديم علينا نعمة الحكم الهاشمي الرشيد، في ظل جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله ورعاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته