سهرة عمونيةسامر حيدر المجالي
30-07-2008 03:00 AM
قد تكون شهادة الرجل في أسرته التي ينتمي اليها مجروحة ، غير أن المحبة لا تعرف الصمت ، وجمال العمونيين الذين أصروا مساء أمس الأول على تكريمي كواحد من أبناء هذه الأسرة المتميزة ، جعل هذه الكلمات أقل القليل الذي يستطيع المرء أن يقدمه لبيته الدافيء ومنبره الحر . تحلقنا حول منسف أردني من الطراز الفاخر ، أصر الحبيب سمير الحياري والغالي باسل العكور على أن يكون الطابع أردنيا بحتا ، هما يعلمان أن المغترب يحن الى مثل هذه الطقوس ، وأن للأردنيين عادات وتقاليد لا يخرجون عنها مهما طال بهم السفر ونأت بهم المسافات . كان معنا فايز الفايز وسامي الزبيدي وسميح جبرين وحسن البراري ووائل الجرايشة . امتدت السهرة حتى وقت متأخر ، وحفلت بأحاديث عامة حينا ، وفي الحين الآخر كانت الأحاديث ودية ، دلت تفاصيلها على مدى ترابط هذه الأسرة وقوة وشائجها التي تؤهلها الى مزيد من الابداع والعطاء . ميزة هذا الموقع الألكتروني أنه فتح المجال رحبا لعدد كبير من الأصوات التي كانت تصنف كأغلبية صامتة قبل ظهوره ، خصوصا بين أواسط المغتربين الذين أضاف بعد المسافة الى صمتهم صمتا اضافيا . كان أكثرنا يمارس الأطلاع ومتابعة الأحداث دون أن يكون لفعل الكتابة نصيب من نشاطاته ، وكان للصحافة الورقية جدران اسمنتية يصعب على أي كاتب اختراقها الا من أوتي نصيبا من الحظ وحسن الطالع . قضية أن تتابع الأحداث وتتأثر بها ثم لا تجد منبرا تعبر فيه عن رأيك ليست بالقضية السهلة التي لا تترك آثارها الصعبة في نفس المرء ، فالكتابة فعل نفسي يمارسه الكاتب كي لا يختنق وتتضخم حسراته كبتا وعناء أمام ما يستجد من أحداث على كافة المستويات . ثمة مستوى من الكبت والتحمل لا نستطيع أن نتجاوزه ، فان لم يتوفر المنبر الحر الذي تصل رسالتك من خلاله الى القاريء ، مت كمدا وحسرة ، وضاع رأيك هباء منثورا . عمون كانت هذا المنبر ، فلم تبخل على صاحب قلم بمساحة يبث فيها أشجانه ، ويعبر من خلالها عن رأيه . سألني باسل عن أكثر ما لفت انتباهي في عمان بعد هذه الغيبة الطويلة ، فأجبته بأن طريقة اللباس عند الشباب ذكورا واناثا هي أكثر ما يلفت الإنتباه ويثير العجب . ذكرت له أن فترة التسعينيات كانت فترة الصحوة الدينية في المجتمعات العربية بشكل عام ومن ضمنها الأردن . كان الحجاب مستشريا في الجامعة الأردنية على سبيل المثال وكانت نسبة البنات المحجبات تصل الى حوالي 90% . حتى عند البنات غير المحجبات كان هناك سقف من الأحترام والحشمة لا تستطيع البنت أن تتجاوزه . اليوم اختلف الأمر كثيرا ، هنالك مشاهد كثيرة تخدش الحياء ، هنالك عدوان على قيمنا وأخلاقنا قد تكون الفضائيات ساهمت في حدوثه . كيف استطعنا أن نتعامل مع العولمة والتغيير بهذا الشكل السطحي الفج ؟ لماذا تعلقنا بقشور الحضارة فقط ؟ أسئلة صعبة ربما يستطيع المختصون الأجابة على بعضها وبيان حقائقها . تطرقت أحاديثنا كذلك الى كتاب الأعمدة في الصحافة الأردنية وكيف يعاني الجادون منهم من عزوف القراء عن قراءة مقالاتهم الا قليلا من القراء الذين يبحثون عن المحتوى العميق والتحليل المنطقي . القراء يتجهون الى ما يسمى بالكتابة الساخرة ، لكن مشكلة هذا النوع من الكتابة أن القادرين من فرسانه على التوفيق بين بساطة اللغة والسخرية من جهة ، والمحتوى العميق الذي يدل على سعة اطلاع صاحبه ومقدرته على تطوير نفسه من جهة أخرى ، القادرون على ذلك موجودون لكنهم قليلون ، أما الأكثرون فقد وقعوا في النمطية والتكرار ، وهم يبدون عاجزين عن تطوير كتاباتهم لضعف اطلاعهم وعدم اهتمامهم بتنمية بنيتهم الثقافية . كان الحديث بسيطا بكل المقاييس ، وكانت عفوية الحاضرين وبساطة اللقاء وجماله امتدادا لعفوية عمون نفسها وقدرتها على أن تفتح صدرها للجميع وتستوعب المزيد والمزيد من الكتاب والقراء والمعلقين . عشنا لحظات ممتعة ما بين نقوش فايز الفايز ، وأوجاع سامي الزبيدي التي لم تخف عليَّ في كتاباته الأخيرة ، وعمق حسن البراري في تحليلاته ، وقدرة سميح جبرين على نقل الواقع الى القاريء ونقده نقدا موضوعيا ، وكفاءة وائل الجرايشة في عمله الصحفي وقدرته على الوصول الى المعلومة بسهولة ويسر . تذكرت آخرين من أعمدة عمون الذين لن يغيبوا عن بال قرائها ، هاني العزيزي وحكمة السنين ، الصديق الغالي هشام غانم واللغة الجميلة والتحليلات العميقة . عمونيون كثر ومستوى من الثقافة والجمال تفوقت من خلاله هذه الصحيفة على نفسها ووصلت الى كل قاريء ومتابع . ربما تكون هذه هي أول اليوميات في اجازة هذا العام ، لكنها أغناها وأجملها ، فقد كفت عمون ووفت . أذهلنا الموقع عبر الأثير ، ثم أذهلنا أصحابه على أرض الواقع . شكرا للغاليين سمير وباسل فقد أدركت الآن سر تفوق عمون وتميزها . |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة