اذا قرر انسان ما ان يخدع نفسه فلن تفلح معه كل المحاولات التي تسعى لايقاظه من الاستغراق في الوهم، تورط بهذا الخداع الذاتي زعماء فقدوا صولجاناتهم ومنهم من فقد رأسه حيّا، وتورط بهذا الخداع مثقفون لم يحصلوا على اي اعتراف حقيقي فقالوا في لحظة الغسق آه على ذبابة.
واحيانا تتورط مجتمعات بهذا الخداع اذا حاولت ان تستحم في السراب الذي صنعته عيونها الكليلة، لكن من قرروا الانسجام مع انفسهم وعدم تصديق احلام يقظتهم، ان ختام حياتهم مسكا بكل المقاييس، فما انجزوه لم يكن ورما كما قال المتنبي، وسيبقى بعد رحيلهم، ولهم مواعيد مع قيامات عاجلة او آجلة تعيد اليهم الاعتبار !
ولأن النفس بالفعل أمارة بالسوء فهي احيانا تتحول الى فخ لصاحبها تستدرجه عبر اوهام وانتصارات من طراز ما سماه احمد شوقي في مسرحية شعرية الظفر في فم الاماني، لكن ليس لضحية هذا الوهم حتى قلامة ظفر من الحقيقة.
نفهم ان يضعف الانسان ويصبح تفكيره رغائبيا بحيث يرى ما يطيب له فقط ان يراه ولا يسمع غير صدى صوته، لكن لمثل هذه المرحلة عُمرا هو على الاغلب قصير، اذ تعقبها نوبة صحو ويقظة ويكون هناك متسع في العمر للاستدراك وعدم التفريط بما تبقى .
وما من شيء يضاعف من خداع الذات ويدفعه الى اقصاه كالعزلات والتهرب من أية حوارات او مناظرات فكرية، لأن الماء كما يقال يكذّب الغطّاس، لكن ما العمل اذا كان هذا الغطّاس قد تعلّم السباحة على سريره او على الرمل ؟
واكثر المجتمعات افرازا للأوهام وخداع الذات هي المجتمعات الخاملة والتي تعاني من الاستنقاع، لأن الفرد فيها لا يختبر منسوب كفاءته قياسا الى الاخرين، فيبحث عن الأقبح والأقصر والأغبى والأفقر كي يزهو على هؤلاء كما يزهو مريض في طور الاحتضار على ميّت !
تسعون بالمئة على الاقل من سوء التفاهم وانعدام المشترك المنطقي هو حصيلة الخداع سواء كان للذات او تمدد نحو الاخرين فهل يصحو خادعو أنفسهم قبل فوات الاوان؟
الدستور