حينما تتحول قضية الاسرى الى منبر لتشويه الدولة
المحامي محمد الصبيحي
30-07-2008 03:00 AM
وسط هذه ( الدوخة الاعلامية ) تضيع الحقائق وتتوارى الصورة الحقيقية خلف الصمت الذي يلوذ به أصحاب المنطق والمعرفة القانونية والسياسية وينأى كثيرون بأنفسهم عن قول كلمة الحقيقة لسببين الاول أن بعضهم غير معني بخدمة الموقف الرسمي الاردني لعدم وجود ثمن يقبضونه مقابل موقف مع الحقيقة لأنهم يخلطون بين خدمة الدولة وبين خدمة الحكومة ويعتقد هؤلاء أنهم بكلماتهم انما يدعمون موقف حكومة لم يشاركوا فيها وبالتالي ليس لهم مصلحة في نجاحها وتقوية موقفها , والثاني أن هناك من يخاف تشويه صورته والصاق تهم به من قبل أصحاب الصوت المرتفع وهم بهذا يريدون وضع رجل في صف المزاودة الوطنية والرجل الاخرى في صف الموقف الرسمي للدولة .
لقد تحولت صحف ومحطات فضائية الى منابر لتشويه صورة الدولة الاردنية حتى وصل الامر بناشطين أردنيين الى تسفيه الموقف الاردني والدعوة الى التوجه الى منظمات غير أردنية لأنقاذ أسرنا من عجز ( الدولة ) الاردنية و( جبن الحكومة ) وقد أعمتهم أضواء الكاميرات وأستدراج مذيعين محترفين موجهين لهم الى ما لايجوز أن يفعله وطني أردني يحترم علم بلاده وكيانها السياسي الذي أستطاع أن يصمد أمام رياح عاتية منذ العام 1921 وحتى اليوم بفضل وعي الشعب الاردني والتفافه حول العرش الهاشمي رمز وحدته ومنعته , وبفضل جيشه العربي الذي قدم من الشهداء فوق تراب فلسطين ما يقدم مثله جيش عربي أخر أو تنظيم مقاوم عربي أو فلسطيني .
وفي قضية أبنائنا الابطال الاسرى الاربعة فان علينا أن ندرك أن قواعد سلوك الدول ذات السيادة والتي تعمل في أطار أتفاقيات دولية أبتداء من أتفاقيات جنيف المتعددة – ولا مجال لتعدادها هنا – وانتهاء بما ترتبه العضوية في المنظمات الدولية ومنها الامم المتحدة والجامعة العربية , يختلف تماما عن قواعد سلوك منظمات المقاومة الشعبية ولا سبيل للمقارنة بين هذه وتلك , ولا مجال أمام الدول التي تحترم نفسها ومصداقيتها الدولية الى تجزئة هذه المصداقية بأن تسلك في قضية سلوك منظمات المقاومة وتسلك في قضايا أخرى سلوك الدول ذات السيادة , فتبعات منظمات المقاومة ومسؤوليتها الدولية لاتقاس أمام المجتمع الدولي والقانون الدولي بمسؤوليات وتبعات الدول ذات السيادة , فليس هناك ما تستطيع المنظمات الدولية وحتى القانون الدولي أن تفعله تجاه منظمات المقاومة بينما لديها الكثير مما يمكن أن ترتبه من مسؤوليات تجاه الدول ذات السيادة , ولأن الدولة اللبنانية – على سبيل المثال – تدرك ذلك جيدا فقد القت بكل التبعات الميدانية على كاهل المقاومة اللبنانية الباسلة بينما بقيت مؤسسات الدولة الدستورية تتعامل مع الملفات بمنطق الدولة والقانون الدولي لكونها لاترتبط باتفاقية سلام مع أسرائيل وتستطيع بسهولة أن تتنصل مما يجري في الميدان بحجة وجود أحتلال ووجود مقاومة مشروعة للأحتلال تؤيدها القوانين الدولية , ومثال أخر في حصار غزة , وقد كانت الدولة المصرية قادرة على خلع البوابات مع القطاع وفك الحصار ولكنها لم تفعل لأنها دولة ترتبط باتفاقيات مع كثير من الدول , والسلوك في اتفاقية واحدة مع دولة واحدة خارج أطار القانون الدولي وبمنطق الغضب والقوة سيضعف مصداقية الدولة في كل أتفاق تحاول أبرامه مع كل طرف أقليمي أو دولي .
ولايجوز بأي حال من الاحوال أن يفسر السلوك القانوني المدروس للدول على أنه دليل عجز وضعف , نعم قد يكون لموازين القوى وفعالية الديبلوماسية تأثير في مجريات الاحداث ولكن الامر لاينبغي أن يفسر على أنه ضعف أو جبن أو عجز .
وهكذا فان من يطالبون الحكومة أن تفتح ابواب سجن ( قفقفا ) في ( هليلة ) أعلامية وتطلق الاسرى الاربعة لايدركون الفرق بين دولة ومنظمة مسلحة , بين مسؤوليات دولة ذات مصداقية في المجال السياسي والاقتصادي والديبلوماسي , وبين معايير منظمة مسلحة ليست مرتبطة بأي قواعد ديبلوماسية وأتفاقيات دولية وهذا بالطبع لايعيبها وانما أقصد توضيح الاختلاف في الكينونة والوضع القانوني الذي يفرز أختلافا في السلوك لأشخاص القانون الدولي .
لاتوجد حكومة في العالم ومنها حكومة المملكة الاردنية الهاشمية تكره أن يخرج ابناؤها من السجن , ولا توجد حكومة تكره أن تنال تأييدا شعبيا عارما , ومن هنا علينا أن ندرك الضوابط الاخلاقية والقانونية لسلوك الدولة الاردنية في المجتمع الدولي حتى لو لم يتمسك الطرف الاخر بتلك الضوابط وحتى لو خرق الطرف الاخر قواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية الجماعية أو الثنائية فليس معنى ذلك أن تمارس الدولة الاردنية نفس السلوك فهناك قنوات ومنظمات وأسس للتعاطي مع أختراقات الطرف الاخر , والا أصبح الامر في الاقليم والعالم أشبه بأن يقوم مسؤول حكومي بتجاوز أشارة المرور الحمراء ليكون ذلك مبررا لكل الناس بتجاوز تلك الاشارة وخرق قانون السير .
انني على يقين أن جلالة الملك الذي يتنقل من بادية الى بادية ومن قرية نائية الى أخرى ليقف على أحوال رب عائلة مريض فقير , لعلى أطلاع دقيق على ملف الاسرى وما كان جلالته ليتأخر دقيقة واحدة عن توجيه الامر الى الحكومة لفتح أبواب ( قفقفا ) وأخلاء سبيل الاسرى لو كان الامر كما يدعي أصحاب الصوت المرتفع الذين لم نسمع من أحد منهم مناقشة سياسية قانونية تقوم على معرفة علمية بهذه القضية .
لست هنا لأدافع عن موقف وزارة الخارجية والحكومة وانما للتصدي – بما يسعني - للهجمة الشرسة على الصورة الناصعة للدولة الاردنية ومصداقيتها العالمية , وعلى الحكومة والاعلام الرسمي أن يمتلكا لسانا أكثر بلاغة لتوضيح الامور ووضع النقاط فوق الحروف ., وأن تخرج النخبة السياسية المحسوبة على الموقف الرسمي من حالة الخرس التي تنتابها وهي تنتظر دورها في تبوأ المناصب الرفيعة .