وفاء للثورة العربية الكبرى .. ولمؤرخها
أ.د. عصام سليمان الموسى
14-04-2016 12:37 PM
في خضم ما تنشره وسائل الإعلام، والصحف خاصة، عن الثورة العربية في مئويتها، اتوقف عند ثلاث محطات فيها تقصير واضح بحق هذه الثورة العظيمة.
أول هذه المحطات التي لا يبرزها اعلامنا تتعلق بجيش الثورة العربي: هذا الجيش الذي خاض المعارك من بدايتها في الحجاز في 10 حزيران 1916 وحتى تحرير دمشق بعد عامين ورفع العلم العربي عليها وطارد فلول الأتراك حتى الحدود الشمالية قد زاد قوامه عن مائة ألف مقاتل، قادهم الأمير فيصل ببراعة وحنكة قل نظيرها حتى تحقق النصر. في هذه المعارك شارك الحجازي والأردني والسوري والعراقي واللبناني والفلسطيني، فكان جيشا عربيا يخرج من الجزيرة يذكر بجيوش الفتوحات، ولد منه جيشنا العربي الأردني المظفر. نحن اذن نتحدث عن جيش عرمرم، ونتحدث عن جيش قوي قهر الطبيعة القاسية وقهر الأعداء وسقط منه في ميدان الوغى عشرون ألف محارب شهيد.
ثاني هذه المحطات التي لا يبرزها اعلامنا اعتراف البريطانيين والفرنسيين "بمركز المحارب للقوات العربية...بصفة حلفاء ضد العدو المشترك". ولعمري هذ اعتراف من حلفاء الأمس بقدرات هذا الجيش والنتائج المذهلة التي حققها . ولم يأت هذا من فراغ، لأنه كان اعترافا ببطولة هذا الجيش من رفاق السلاح بالحرب واعترافا بتضحيات أفراده وبعبقرية قادته الأفذاذ. وانه لتكريم للرجال الذين صنعوا النصر وحققوا لأمتهم مجدا لم يقم به غيرهم في زمننا الحديث، وكانوا رجال النهضة العربية بحق الذين سطروا بالدم والبطولة راية الثورة العربية الكبرى لتظل خفاقة يرفعها جيشنا العربي بتوجيه من جلالة حفيد قائد الثورة جلالة عبدالله الثاني ألملك المعزز.
وثالث هذه المحطات، وأكثرها ايلاما، ما ينشر في الصحف مأخوذا عن وكالتنا الوطنية، فان معظمه-ان لم يكن كله- منسوخ نسخا حرفيا من كتب والدنا سليمان الموسى – رحمه الله. والمؤلم حقا ان بعض مما نشر فيه تشويه للحقيقة التاريخية. من مثل ذلك ما نشرته جريدة (الرأي) قبل شهر تقريبا يوم 7/3/2016 بعنوان "شخصيات الثورة العربية:الملك المؤسس عبدالله بن الحسين" فقد تم نقل هذه المادة بتعديل بسيط من كتاب والدنا وعنوانه (الثورة العربية الكبرى: رجال صنعوا التاريخ) الذي صدر عام 1988 عن وزارة الشباب في سلسلة (التثقيف الشبابي) . لكن المفجع حقا انه تم حذف جملة ذات معان كثيرة. كان نص الجملة التي اسقطت (سهوا او عمدا او عن جهالة) من الفقرة الأولى ما يلي: انه حين "دعي أبوه (اي الشريف الحسين) للاقامة في اسطنبول عام 1893 فواصل دراسته هناك ، حيث كان يحظر عليه وعلى زملائه في المدارس الرسمية ان يتكلموا بالعربية. وبعد ستة عشر عاما من حياة المنفى عاد مع أبيه...".
لقد تم استبدال هذه الجملة بالنص الذي نشرته (بترا) ومن ثم الصحف الأردنية بما يلي " ...دعي والده للإقامة في اسطنبول فواصل دراسته هناك، وبعد ستة عشر عاما من حياة المنفى عاد مع أبيه...". والخطورة في التحريف الذي أدخل على الجملة انه تجاهل حقيقة مهمة كانت وراء قيام الثورة وهي عملية التتريك التي اشارت اليها هذه الجملة. وهذه دلالة ان الذي نقل النص (والأصح سرقه) قد أخفى عن القراء معلومة هامة، وأظنه فعلها عن جهالة، لأن هذا الشخص لم يقض خمسون عاما من عمره وهو يبحث وينقب في تاريخ الثورة العربية كما فعل والدنا الذي استحق من باحثين محترمين لقب (مؤرخ الثورة العربية الكبرى). من المؤسف حقا ان السرقة الفكرية في زمننا هذا تكاثرت، ومارسها العديد وما زالوا. وبالنسبة لوالدنا فقد أقدم "أحدهم" على "سرقة" كتاب كامل مترجم هو (آثار الأردن)، انتحله شخص يحمل لقب (دكتور)- لا يستحقه بالطبع- ومع الأسف علم ويعلم في جامعات اردنية، وبينت المحكمة حجم سرقته (ولمن يريد ان يطلع على القرار فهو بحوزتي). وكان آخر ما نشرته (الرأي) عن "شخصيات الثورة العربية الكبرى: الشريف شرف بن راجح" أمس في 5 آذار قد نقل من كتاب والدنا المشار اليه اعلاه(الثورة العربية الكبرى: رجال صنعوا التاريخ). وستحسن (الرأي) صنعا لو نشرت هذا الكتاب الصغير (85 صفحة) كملحق لقرائها الأفاضل في مئوية الثورة فيرد الاعتبار لمؤلفه ويعرّف الناس بالحقائق المبسطة والأساسية عن الثورة.
في الخلاصة: هذه محطات في تاريخ الثورة العربية يغفل الإعلام التركيز عليها، وفيها من نواح اعلامية ودعائية مادة خصبة تقنع القراء، وخاصة جيل الشباب، بأهمية الثورة وبحجم التضحية التي قدمها الأجداد الرجال والقادة الكبار في سبيل النهضة العربية، وتدفع بالمتلقين أكثر لتقدير دور الهاشميين في هذه النهضة التي نعتبر انفسنا ورثة لها.
ولخدمة الحقيقة، ووفاء لوالدنا المؤرخ، هناك محطات أخرى سأتوقف عندها لاحقا.
الراي