مر مائة عام على معاهدة سايكس بيكو، لتقسيم العرب الى دويلات.

لو اخذنا سوريا الكبرى او بلاد الشام التي كانت منطقة واحدة عاصمتها دمشق،ولو وقفت مثلا في سوق الحميدية بدمشق ونظر اليك شخص ما،فلن يعرف هويتك،هل انت سوري ام لبناني ام فلسطيني ام اردني،لتشابه الجميع بالشكل،دون ان تتكلم لاختلاف اللهجات، ولكن الجميع ابناء بلد واحد.

لم يشف غليل المخططين سايكس بيكو لوحدها التي جزات العالم العربي الى 22دولة وانما مستمرة للمحاولة لتجزئتها الى 64 دولة منذ ايام كيسنجر,وهل يستبدلوا سايكس بيكو, بكيري –لافروف؟

وضعوا اسفينا في خاصرتنا بانشاء دولة اسرائيل في فلسطين عام 1948وهجروا شعبها الذين يقطنون في فلسطين منذ ستة الاف عام حيث انهم من اليبوسيين الذين جاءوا من منطقة الخليج العربي.

المصالح العالمية هي الاساس في التخطيط لتدمير العالم العربي وتفتيته وتقسيمه.

كانت سوريا دولة مستقرة بسكانها الخمسة والعشرين مليون نسمة، وكان ميزانها التجاري رابحاً بنسبة 20% وليس عليها ديون ولديها الصناعات والزراعة والانهار والمياه, وشعبها تجاري عامل، يعمل لصالح وطنه واهله ولا يفرقون بين المذاهب والكل سوريون عرب, وتعتبر دمشق قلب العروبة النابض.

لكن الهدف الان هو ابقاء ثلاث قوى في المنطقة فقط هي ايران وتركيا واسرائيل،ويجب الا تقوم للعرب قائمة.

لقد شجع الامريكان صدام لدخول الكويت بعد ان اهلكوه في حرب ضروس مع ايران, وكان يقول كيسنجر ان الحروب نتيجتها واحد رابح واخر خسران, ولكننا نريد من هذه الحرب ان يخرج الاثنان خاسرين، كما ان الاتحاد السوفياتي برئاسة جورباتشوف شجعه على عدم الانسحاب من الكويت، مع العلم ان جورباتشوف هو الذي انهى الاتحاد السوفياتي وفصل دوله وقسمه، وابقى في العالم قطبا واحدا هو الولايات المتحدة الامريكية.

تريد روسيا ان يبقى لها موطء قدم على البحر الابيض المتوسط، ولا ترغب في الخروج منه، ويبقى خط الغاز من روسيا مارا بسوريا الى البحر المتوسط لتصديره الى اوروبا، مع العلم ان امريكا تشجع قطر لمد انبوب غاز من قطر للبحر المتوسط مارا بسوريا، لتصديره الى اوروبا لضرب اقتصاد روسيا.

الصين تريد المحافظة على طريق الحرير للمرور لسوريا لتصدير بضائعها والوصول ايضا للبحر المتوسط.
ان اولويات امريكا هي النفط واسرائيل.

نحن دمى تتقاذفنا الدول العظمى لتنفيذ مآربهم، ونحارب بعضنا البعض بالوكالة عنهم لاراقة الدم العربي.

التاريخ يعيد نفسه حيث كان المناذرة في العراق يحاربون ابناء عمومتهم الغساسنة في بلاد الشام،هذا بالنيابة عن الفرس وذاك بالنيابة عن الرومان, ولم يوقفوا ذلك الا ان جاء الاسلام بعقيدته السمحة ووحدهم وجعلهم دولة واحدة، ودكوا حصون كسرى ودمروا هرقل ووحدوا بلدانهم العربية وطردوا الغاصب المحتل من اراضيهم.

كتب روبرت كنيدي الاستاذ الجامعي ابن السيناتور روبرت كنيدي وابن شقيق الرئيس الامريكي الاسبق جون كنيدي، مقالا يستعرض به اسباب رفض العرب التدخل الامريكي في سوريا وتاريخ دسائس وكالة المخابرات الامريكية السي اي ايه في منطقة الشرق الاوسط،من اجل التحكم بالنفط ومفردات الجغرافيا السياسية ونشر المقال في مجلة بوليتيكا الامريكية، وقال:

ان سجل امريكا البغيض من التدخلات العنيفة في سوريا، والذي لا يعرفه الامريكيون الا قليلا منهم في حين يعرفه السوريون جيدا،قد مهد تربة خصبة للجهاد الاسلامي العنيف،والذي حاليا ما يعقد اي رد فعل فعال من جانب حكومتنا لمواجهة تحدي التنظيمات الارهابية،وطالما بقي الشعب الامريكي وصناع القرار غير مدركين لهذا الماضي،فان اي تدخل آخر من المحتمل ان يعقد الازمة.

في عام 1957 في اعقاب انقلاب فاشل في سوريا تحت رعايتنا،اثار السيناتور جون كينيدي الرئيس ايزنهاور وزعماء الحزبين الديموقراطي والجمهوري وحلفاؤهم الاوروبيين،بالقائه خطابا هاما يؤيد الحكم الذاتي للعالم العربي،وانهاء التدخل الامبريالي الامريكي في الدول العربية,وكان مذا الخطاب دعوة لان تعيد امريكا التزامها بالقيم العليا التي ساندتها في ميثاق الاطلنطي،اي التعهد الرسمي بان كل المستعمرات الاوروبية السابقة لها الحق في الحكم الذاتي في اعقاب الحرب العالمية الثانية،لكن دسائس الاجهزة حالت دون سلك الطريق المثالي الذي حدده ميثاق الاطلنطي عام 1941.

يقولون ان القوميين الشرق اوسطين يكرهوننا لحريتنا، ولكنهم يكرهوننا بسبب الطريقة التي خنا بها تلك الحريات مثلنا العليا داخل حدودهم.

في عام 1949كان الوطنيون السوريون قد اعلنوا الحرب على النازي، وطردوا الحكام المستعمرين التابعين لحكومة فيشي،واقاموا ديموقراطية علمانية هشة،تعتمد على النموذج الامريكي،ولكن في شهر اذار 1949تردد الرئيس السوري شكري القوتلي المنتخب ديموقراطيا في الموافقة على مشروع مد خط انابيب امريكي،كان يهدف لربط حقول النفط في السعودية يموانئ لبنان عبر سوريا.

في كتابه ارث الرماد،يشير تيم وينر مؤرخ السي اي ايه الى انه انتقام لافتقار القوتلي للحماسلمشروع خط الانابيب الامريكي،فقد هندست السي اي ايه انقلابا لاستبدال القوتلي بديكتاتور تابع لها ومحتال ومدان،اسمه حسني الزعيم،وما ان قام حسني الزعيم بحل البرلمان والموافقة على خط الانابيب، حتى اطاح به السوريون بعد اربعة اشهر ونصف من توليه الحكم.

بعد عدة محاولات انقلابية مناوئة في الدولة غير المستقرة،اختبر السوريون الديموقراطية مرة اخرى في عام 1955واعادوا انتخاب القوتلي وحزبه الحزب القومي،ورغم التزام القوتلي بموقف محايد تجاه الحرب النازية،الا انه نتيجة التورط الامريكي للاطاحة به بدا يميل نحو المعسكر السوفياتي،هذا التوجه دفع الامريكان للاعلان ان سوريا اصبحت مستعدة لانقلاب,وارسل خبيرا الانقلابات كيم روزفلت وروكي ستون،الى دمشق وهم اللذين دبرا الانقلاب ضد الرئيس مصدق في ايران.

وصل ستون الى دمشق في نيسان 1957ومعه ثلاثة ملايين دولار لتسليح وتحريض المتشددين الاسلاميين،ورشوة صباط الجيش السوري والسياسيين للاطاحة بنظام القوتلي العلماني المنتخب، وذلك وفقا لما جاء في كتاب امن الديموقراطية –الحروب السرية- لجون برادوس.

خطط روكي ستون لاغتيال رئيس المخابرات السوري وقائد قواتها المسلحة ورئيس الحزب الشيوعي،فضلا عن هندسة مؤامرات قومية واستفزازات عسكرية مختلفة في العراق ولبنان والاردن.

لكن الاموال فشلت في افساد ضباط الجيش السوري،حيث ابلغ الضباط النظام البعثي الحاكم في سوريا عن محاولة الرشوة،وردا على ذلك قام الجيش السوري باقتحام السفارة الامريكية بدمشق،وتم اعتقال ستون،وبعد تحقيق قاسي قدم ستون اعترافا تلفزيونيا يوضح دوره في انقلاب مصدق بايران ومحاولة الاطاحة الفاشلة بالحكومة الشرعية بسوريا.

تم طرد ستين وموظفين اخرين في السفارة الامريكية من سوريا،وكانت المرة الاولى التي يمنع فيها دبلوماسي امريكي من دخول دولة عربية.

ان سوء التصرف هذا قد ابعد سوريا عن امريكا وجعلها تتجه للتحالف مع روسيا.

طلبت امريكا من بشار الاسد الموافقة على مد خط الغاز القطري عبر سوريا،لضرب الخط الروسي،لكنه رفض ذلك فقامت امريكا بتسليح المعارضة ضده وتدريبهم وخلق ميليشيات مناوئة للنظام في سوريا، وزعماء هؤلاء المليشيات هم قادة انشاهم الامريكان ورعاهم منذ ثلاثين عاما.

لم يكن للقاعدة وجود في العراق اثناء حكم صدام حسين،ولكن بعد ذهابه تغلغلوا وترعرعوا وقام الامريكان بتدريبهم وتمويلهم.

انها حرب النفط وقد اصبح نقمة علينا بدل ان يكون نعمة.

الرابح الوحيد في هذه الحروب هم شركات النفط والجنود المرتزقة،والذين دخلت جيوبهم ارباحا خيالية،بالاضافة ان وكالات المخابرات نمت بشكل كبير،سواء من حيث النفوذ او السلطة على حساب الحرية،والجهاديين الذين استخدموا واستفادوا من تدخلات الامريكان.

لقد حان الوقت للامريكيين لابعاد الولايات المتحدة عن الاستعمار الجديد والعودة الى طريق المثالية والديموقراطية،كما يجب ان يترك العرب ليحكموا دولهم،وان تحول الطاقات لبناء امريكا من الداخل،كما يجب ان تبدا العملية،ليس عن طريق غزو سوري ولكن من خلال الادمان المدمر للنفط الذي شوه السياسة الامريكية على مدى نصف قرن.


dr.sami.alrashid@gmail.com