ما بين فترة واخرى يكون الحديث عن العلاقات الاردنية مع محيطه العربي ومستواها وتفاصيلها, وتخرج بعد ذلك اقوال مقصودة او عرضية تؤكد عمق هذه العلاقة ومتانتها وانها علاقات تاريخية، ويبدو من الحديثين ان المطلوب هو علاقات مثالية متطابقة, ومواقف لا تجد بينها اي خلاف او اختلاف فهل العلاقات بين الدول تكون هكذا!
وفي الحديث عن الأردن وعلاقاته العربية نشير الى القضايا التالية:
1-ان الدولة الأردنية وعبر تاريخها الطويل ليست دولة عدائية في علاقاتها العربية، وحتى في فترات المؤامرات والتوتر العربي العربي والحروب الاعلامية كان الأردن يمارس الحد الأدنى من الخطاب او الممارسة الخلافية, فالأردن حتى عندما تكون علاقاته مع اي دولة عربية في ادنى مراحلها ومستوياتها فانه لا يذهب الى الاعلام او العلن او الى اي اجراءات سياسية ودبلوماسية للتعبير عن غضبه او عدم رضاه او حتى للتعبير عن تعامل رديء من دولة شقيقة او حتى صديقة.
2-ان التعامل الاردني يقوم على محاولة احتواء الخلافات او على الأقل تجميدها في الحد الأدنى, وهذا يعود الى قناعات بأن الكثير من هذه الخلافات تعود الى اسباب آنية او انفعال من اهل القرار في تلك الدول واحيانا يكون البعد الشخصي حاضرا ويترك اثره حتى على الخطاب السياسي والاعلامي لبعض الدول في فترات الخلافات.
وفي نفس الوقت فان تجربة الأردن مع الخلافات العربية تظهر ان هذه الخلافات التي تصل احيانا الى اعلى مراحلها اعلاميا وسياسيا تتلاشى فجأة ويعود الحديث عن العلاقات الاخوية وصور قيادات البلدين وايضا الحديث عن عمق العلاقات وتلاحم الشعبين وغيرها من اشكال التعبير المتطرفة في الوصف مثلما كانت اوصاف الخلافات وخطاب المعارك متطرفة ايضاً.
3-ان مفهوم العلاقات الايجابية بين اي بلدين لا يعني ان تكون كل دولة تحمل ذات المواقف بتفاصيلها وكأنها نسخ متطابقة ومتشابهة دون اي خصوصية او مساحات خاصة تمارس فيها كل دولة حماية مصالحها, كما ان لكل دولة اولوياتها وتحالفاتها وايضا الجانب السيادي في علاقاتها الخارجية.
كما ان الحالة العربية تظهر في كل مرحلة دولا ترى انها دول كبرى او ذات نفوذ وتعمل على تحويل الحالة العربية ودولها الى ادوات تعزز نفوذها وهيمنتها وادوارها, وتكون الأدوات اما استعمال الجماهير او المال او الاعلام او الاختراق الأمني والسياسي لدول اخرى, وهذه التجربة العربية لا تغيب في المشهد العربي منذ عقود حتى وان تغيرت اشكال ظهورها, وعبر كل العقود كان الأردن يحاول ان يتجنب دخول المعارك الكبرى مع الأشقاء, وحتى ان اضطر الى دخولها فانه لايذهب الى مراحل كسر العظم او المواجهات المصيرية, وهذا لم يمنعه من اتخاذ مواقف خاصة وان يكون له انحيازاته السياسية والعسكرية وفق اولوياته وتحالفاته, ولعل الاردن مثل غيره كان يدرك ان مفهوم العمل العربي المشترك او الموقف العربي تكون احيانا شكلية, واحيانا تكون اسماً حركياً لمصلحة دولة ترى انها الأكبر وذات النفوذ وان على بقية الدول خدمة نفوذها تحت عناوين القضايا والمصالح العربية.
4- وكما يدرك الأردن حقه في خصوصية مواقفه والدفاع عن مصالحه فانه يدرك ان من حق الدول العربية الاخرى ان تكون لها ذات المساحة في الخصوصية, وتحت هذه المعادلة تكون العلاقات العربية ممكنة وايجابية اذا اعطى كل طرف وتحديدا الدول التي ترى نفسها دولا محورية لكل طرف مساحته الخاصة في ادارة مواقفه.
طبعا لن يكون الأمر مثاليا لأن الاجواء العربية من السهل ان تملأها الخلافات والتسريبات "والزعل" ويعقبها استخدام وسائل الضغط الاقتصادي او السياسي او الحملات الاعلامية الذكية والغبية على حد سواء, وبالتالي فان الاردن دائما يحاول الوصول الى الحد الأقصى من المساحات المشتركة مع الأشقاء, والحديث بكثافة عن القواسم المشتركة والقضايا التي لاخلاف عليها, وتخفيف الأضواء عن القضايا التي لا اتفاق عليها , طبعا هذا الأمر ليس بالضرورة ان يلقى قبولا من الآخرين او ان يكون ذات تعامل الآخرين مع القضايا الخلافية لكن المهم هو الحفاظ على الحد الأقصى الممكن من الاجواء الايجابية التي يمكن ان تعود في اي وقت كما يحدث منذ عقود في الحالة العربية.
5-خلال السنوات الأخيرة كانت العلاقات الاردنية مع بعض الأشقاء وتحديدا الدول التي تبحث عن نفوذ او التي لها مواقف خاصة واولويات, كانت هذه العلاقات متأثرة بالأزمات التي يعيشها الاقليم وتحديدا الأزمة السورية والعراقية واليمنية والمصرية, واحيانا كان التباين على منهجية ادارة هذه الازمة او تباين على وسائل وتفاصيل, لكن لأن الحالة العربية لاتقبل اي خلاف, والبعض يريد الأخرين صدى لمواقفه ومسخرين لخدمته , وهذا صبغ العديد من العلاقات العربية التي شهدت ومازالت عمليات تجميل الا انها لم تمس جوهر التباين الذي كان من الممكن ان يكون طبيعيا لو تفهم كل طرف خصوصية ومصالح الآخرين.
6- وكما اشرت فان التعامل وفق قاعدة توسيع القواسم المشتركة واحترام خصوصيات كل الاطراف يلغي فكرة الخلافات وفق المفهوم العربي للخلافات, وهذا ما يعمل الاردن وفقه, اي يحترم رؤيته وتحليله للاحداث, ويبحث عن مصالحه واولوياته, وايضا يحترم حق الآخرين في امتلاك ذات الخصوصية , بعيدا عن فكرة الالحاق والتبعية وتسخير ألأخرين لخدمة مصالح دولة او موقف ما.
7-وبناء على كل ماسبق فان العلاقات الاردنية مع الأشقاء علاقة ايجابية من منظور اردني, لانها علاقات يريدها الاردن علاقات فيها مساحة واسعة للقواسم المشتركة, وفيها ايضا مساحة لحق كل دولة في الحفاظ على مصالحها وممارسة اولوياتها, وان تكون القضايا المفصلية مثل محاربة الارهاب والسيادة العربية وغيرها من الملفات الكبرى ارضية مشتركة للتوافق, وايضا تحترم كل دولة وجهة نظر الدول الاخرى في ادارة ما يخصها من الملفات الكبرى.
سنبقى نسمع عن تسريبات وتحليلات تتعلق بكل العلاقات العربية العربية ومنها ما يخص الاردن, والحل ليس تصريحات تجميلية بل حل يبدأ بتفهم البعض لحق الأردن ودول اخرى ان يكون لها خياراتها ورؤيتها التي لاتخرج عن سياق المصلحة العربية الحقيقيه بغض النظر عن توافقها مع نفوذ ذاتي لهذا الطرف او ذاك.