ما تظنه حقيقة قد يكون وهما وما تظنه وهما قد يكون حقيقة من حيث لا تدري أو من حيث ألم يذرفك على قارعة الليل ليجعل منك أنت ولا أنت في آن واحد..
مثل أي حرب تقع فيها رغما عنك ودون علم مسبق بأسبابها... لا تغير مسار حياتك فقط وإنما تجعل منك كائناً خارجاً عن السيطرة... تفقد قدرتك على تحديد من أنت... وأين أنت ... ولم أنت من يُعاني كلما سمع حكاية جديدة من فم الراوي ... يداه في فمك يخلع واحدا من أسنانك ويضيف لذاكرتك واحدة من المشاهد التي رآها وهو يعالج المساجين .حكاية تولد من خاصرة حكاية. تجرجر بقايا صحو يكاد ينسل منك كهوية أظهرتها لشرطي طلبها منك وأنت في طريقك للتخلص من الوجع ... فقال لك: الصورة لا تشبهك ... فقلت وهل هناك من يشبه نفسه؟!
لا شيء واضح في ذهني ... هل خيال طبيبي مفرط ... أم أن طعم الدم في ريقي امتزج في كلامي وجسدي وما عدت قادرا على التفريق بين وجع الأسنان ... وألم الإنسان.
المذابح الشنيعة كلها واحدة مهما ابتعد الزمن واقتربت الأرض لا تختلف إلا باسم الخائن وحده من يتغير حسب السعر . يخون أكثر يربح أكبر .
يقظا حتى نهاية العالم ... على قدر من الصحو المرهق... طعم الدم مازال في فمي ، ومواعظ الصبر والقدرة تحاول والتعلق التشبث بآخر ما سمعت أن الصبر فضيلة... كطريقة أخرى في الحياة التي اختارتك ولم تملك حق اختيارها بنفسك ... كل ما في الأمر أنك كبرت على حين غفلة من شحنات التشرد على أثداء نساء كثر أرضعنك ، لتجد نفسك الآن في عيادة طبيب يخلع سنك ... كما خلعك قرد صهيوني مدجج بالحقد والسلاح من بيتك وأرضك وبحرك .. الفارق البسيط بين هنا وهناك ... إبرة البنج التي أيقظت لغة تشابكت في أحشاء فمك فقلت احتلال وليس استقلال ...
تحت وطأة الوجع تضربك نوبة حنين وأنت تصغي بصمت أعمى لعبثية واقع يقرؤه طبيب لم يقرأ منذ تخرجه سوى شهادة مركونة بجانب أطقم أسنان قديمة ... أكل عليها الدهر ولم يشرب ... وهو مازال يأكل منها ويشرب .
لا أحد يعود إذا خلع من مكانه.. مثل عمر يخلع منك كل يوم.. ومثل أسنان تحجز تذكرة رحيلها رغما عنك وأرض سرقت منك وفي كلا الحالتين تدفع الثمن .
ها قد خرجت من عيادة الطبيب تشعر بالخجل كامرأة ظهرت عورتها... تحاول تأبط رأسك كي تغطي فراغا يتأرجح في فمك .. تتلفت حولك .. هل رآك أحد .. الشوارع مليئة بصمت الأرجل الهرمة ... البيوت تغمض عيونها على ساكنيها ... تقفز بسرعة كجندب يريد الوصول قبل النهار ... قبل أن يحدق فيك الغد وأنت تحلم بأنك تحلم .