كلما سمعتُ بيت شعر الهجيني ( من بلعما ناحرن صرّوت ومدوّر الزين يا فلاحة ع راس الحصّب ثلاث بيوت والكل ضارب على ناحّة) أتساءل حجم الحبّ الذي كان يدفع ذاك الفارس البدوي وهو يشّد على فرسه "المعنقيّة"، ويلتثمُ بشماغه عابرا مروج "بلعما" الحمراء، والعامرة بالطيب والهيل وصاعدا نحو "صرّوت" نحو الذرى جارة "العالوك" ، إذ تكون السماء أقرب إلى الله هناك وقاطعا سيل الزرقاء، ربابته في "خرجه" ومتحزّما بسيفه، مارّا مع كل البيوت المزروعة على جانبي الوادي، يسبقه صيته واسمه عبر أثير حكايات المساء وقصص الفرسان وكرمهم .
أغبط " فلاحة " إذ تعنّى ذاك الفارس الشاعر من أجل " زينها " غير آبه بما يلاقي ولربما كانت على عين ماء "وادي الخلّة" أو "تصدر" الحلال من " عين بيرين " .. أو ربما ما زال على أصابعها بقيّة من عجين الصبح أو تركتْ رائحة دخان الصاج على مدرقتها أثرا ، ولا تدري بما يقال عنها أو من أجلها.
كان الفارس البدوي شاعرا عاشقا وفيّا ينظمُ قصيدته ويحارب بها مثل سيفه .. كانتْ نخوة البدوي هي أخته وهي أقدس ما يملكه من شرف وعرض، وعندما ينادى بها فإنه يسكبُ دمه وروحه دونها، وكانتْ الرجال في أشدّ ضرب المعارك وقد تلاحمتْ السيوف ينادوا : "اليوم حنّا خوان خواتنا".
الله يا " فلاحة" ماذا فعلتِ بذاكَ الفارس العاشق وقد خلّد اسمكِ في سجلِ من العشّق الحلال، ولربما لم ينلْ منكِ حتى ولو نظرة وعادَ كما ذهب، ولكنهُ القلب الذي يسيّره حيثُ سكنَ عشقه ، ولربما عادَ وقد تكحّلتْ عيونه بأطرافِ بيوتكم وبحجارة دياركم، أو شربَ رشفةً من قهوتكم أو ماءِ عينكم ثم شدّ على فرسهِ رمحا منتصبا عائدا يرّوي القلبَ بعودة ثانية .. والسلام عليه وعلى الفرسان الشعراء العاشقين .