تمتاز الساحة السياسية الاردنية عن سواها، بأن المشتغلين فيها يعيشون
قطيعة مقصودة مع من لايوافقهم الرأي تجاه مسألة معينة، وأكثر من ذلك، فإن
معظم السياسيين الأردنيين في وقتنا الراهن يتمترسون وراء قناعاتهم.ويرفضون سماع وجهة النظر الأخرى، وهم بذلك يبتعدون عن تجربة من سبقهم من
السياسيين، الذين لم يجدوا عيباً، أو نقصاً إذا ما غيروا نظرتهم إلى بعض
الامور، وغيروا تبعاً لذلك تحالفاتهم، مؤمنين بأن السياسة هي فن الممكن،
وأن المصالح هي التي تحرك المواقف وتفرضها، وأن الثبات على خط واحد قد
يكون مفيداً من الناحية الايديولوجية، ولمن يتفرغ للتنظير من برج
انعزاله، لكنه شديد الضرر للسياسي المتحرك في ميدان الفعل، والساعي
لتحقيق برامجه سواء منها الاقتصادية، أو الاجتماعية، وحتى السياسية.
لاأعتقد أنه كثير على السياسيين الاردنيين، أن يقرأوا التجربة اللبنانية
الماثلة للعيان، وأن يلاحظوا تغير التحالفات بين القادة السياسيين،
وصولاً إلى تغيير المواقف، وبما يخدم الهدف النهائي الذي يسعى إليه
السياسي اللبناني، وللتذكير فان جنبلاط الابن سكت حوالي عقدين من الزمان
عن المتهمين بقتل والده، حتى أنه في بعض المنعطفات ساير سياساتهم، وليس
ذلك عيباً، بل أنه احتاج الى شجاعة نادرة ليصمت، واحتاج إلى صبر الجمال
ليكتم ما في نفسه، ولملاحظة سياسيينا فان سعد الحريري كان في مقدمة
مستقبلي الأسرى اللبنانيين المحررين بجهود حزب الله، على ما بينه وبين
ذلك الحزب، وإذا كلف أحدهم نفسه، فان مراجعة تحالفات السياسيين
اللبنانيين ستصيبه بالدهشة، لأن واحداً منهم لم يغيرها أكثر من مرة
لتحقيق أهدافه، حتى ولو كان الهدف يقف عند حدود البقاء في الصورة، وعدم
الانزواء.
أما إذا فكر أحد سياسيينا بمراجعة التجربة العراقية الراهنة، فسوف يفاجأ
بامكانية تغيير التحالفات بسرعة الضوء، سعياً وراء المصالح، وليس تحقيقاً
للمبادئ، التي يظل مكانها الضمير، وليس ساحة الحراك اليومي، وليس غريباً
أن يتحالف الكرد اليوم مع الشيعة ، ثم يتحالفون غداً مع العرب السنة، إذا
كان ذلك يحقق مصالحهم، ولن يلوم أحد الذين تحالفوا يوماً مع القاعدة ثم
انقلبوا ضدها ، حين تضاربت المصالح، وصولاً إلى شن حرب ضدها، وطردها من
مناطقهم، أما جبهة التوافق فقد انسحبت من الحكومة لتعود إليها، ويفتش
البعث المنهار عن حليف من القوى التي اعتاد قمعها حين كان في السلطة،
وينهارتحالف التيار الصدري مع حزب الدعوة والمالكي، حين شعر الأخير أن
الصدريين يؤخرون مسيرة انجازاته، لكن ذلك لن يمنع تحالفهما ثانية في
المستقبل.
وليس كثيراً على سياسيينا، إعادة قراءة الحراك السياسي في بلدنا في
خمسينيات القرن الماضي، حين انشأ المرحوم هزاع المجالي حزباً مع المرحوم
سليمان النابلسي، ثم افترقا، من دون أن يتحولا إلى أعداء يرفض كل منهما
مواجهة الآخر حين اختلفت بهما السبل، فسلك كل واحد طريقاً مغايراً للآخر،
وحين كان رئيس الوزراء يقبل العودة وزيراً في الحكومة التي خلفت حكومته،
ولم يكن يجد في تراجعه من الموقع الأول إلى موقع آخر ضيراً، طالما أن
الهدف هو الخدمة العامة، ولم يعرف عن سياسيي ذلك الزمان اللجوء إلى موضة
الصالونات السياسية التي لا همَّ لمرتاديها غير طعن الآخرين، والتشكيك
بإنجازاتهم.
يتحالف زيد مع عمرو، فيؤمنان أن ذلك أبدي، وأنه معيب لكليهما إذا انفصمت
عرى ذلك التحالف (المقدس)، ولو كان استمراره ضار لكليهما، ويعارض سياسي
خطوة سياسية لآخر، فيتحول ذلك إلى عداء شخصي بينهما يشمل العائلتين، وقد
يستمر حتى يصيب الورثة إن كانوا يعملون في الحقل ذاته، وينسى الجميع أن
الثابت الوحيد في العمل السياسي هو التغير وسرعة التكيف مع الأحداث.