عشرون عاماً على "فك الارتباط"
د .حسن البراري
26-07-2008 03:00 AM
عشرون عاماً بالتمام والكمال، مرت على قرار الأردن فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية. لم يسع الأردن لهذا القرار اعتباطاً، وإنما كان نتاج دراسة متأنية لتمكين الفلسطينيين من تمثيل أنفسهم، والتوصل إلى الحل الذي يريدونه مع إسرائيل. وقد كتب الأستاذ عدنان أبو عودة في كتابه الشهير عن تفكير الملك الراحل بهذا القرار، وكيف أن البيان رقم 10 للقيادة الموحدة للانتفاضة الشعبية أثّر على قرار الملك، فكان رأي الفلسطينيين المناضلين على أرض فلسطين أن تنتهي العلاقة مع الأردن. من دون شك، كان السيد أبو عودة الأقرب إلى فكر الملك في تلك المرحلة، وهو بالتالي يعرف عمّ يتحدث. ولهذا السبب، فإن قرار فك الارتباط جاء استجابة لرغبة فلسطينية في تحقيق الاستقلال الكامل عن العرب. وهذا مفهوم وحق لهم.
بعد عشرين عاماً، يخرج علينا من يدعو إلى إعادة النظر في هذا القرار، بدعوى استحالة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض فلسطين. بمعنى أن فشل العملية السلمية يدفع هؤلاء إلى التفكير بإعادة شكل من أشكال العلاقة الأردنية الفلسطينية، من دون الأخذ بعين الاعتبار أن العودة إلى الصيغة السابقة تعني المساهمة في تضييع حقوق الفلسطينيين. وربما الأهم اليوم، هو عدم المقامرة بمستقبل الأردن، ومساعدة إسرائيل في حل مشكلتها الديموغرافية على حساب الأردن واستقلاله وشعبه وهويته.
هناك من يحاول تمرير قراءة لا تخلو من السذاجة لقرار الأردن التاريخي. فيزعم أحدهم أن القرار اتخذ لأن الأردن ضاق ذرعاً بمطلب الفلسطينيين تمثيل أنفسهم، ولهذا جاء القرار على قاعدة "فليجرب الفلسطينيون تمثيل أنفسهم"، بمعنى أن هدف القرار لم يكن بحال من الأحوال تحقيق انفصال نهائي وتاريخي. وإذا كانت هذه قراءة متأخرة للبعض في الأردن، فهي تعكس قراءة زعيم حزب العمل لقرار فك الارتباط. فقد أصرّ شمعون بيرس على أن القرار تكتيكي. قراءة بيرس المبكرة وقراءة البعض في الأردن، التي جاءت بعد عقدين، هما قراءتان خاطئتان. ولعل قراءة البعض في الأردن تقع في سياق تبرير طلب إعادة العلاقة مع الضفة الغربية، وهو ما تطالب به أيضاً الدوائر الصهيونية اليمينية. قد يكون من المناسب التذكير أن دعم الأردن لحل الدولتين هو في مصلحة الأردن، وأن فشل تحقيق الدولة الفلسطينية لا يعني أن نقبل في الأردن بعلاقة مع شعب دون أرض. وحتى لو حقق الفلسطينيون الاستقلال التام، فإن من حق الأردن رفض أي علاقة وحدوية معهم، لأسباب داخلية واعتبارات جيوسياسية.
الموقف الرسمي الأردني، ممثلاً بتصريحات جلالة الملك، هو في غاية الوضوح. فلم يدخر جلالته جهداً ولم يضع فرصة، إلا وأكد على حل الدولتين. فلماذا نناكف ونقوض الجهود الملكية لمساعدة الفلسطينيين في تحقيق حلمهم في الاستقلال؟
لم يقل الملك ولم يلمح ولو مرة واحدة، إلى أن الأردن سيقيم علاقات وحدوية في حال فشل الحل. لن يتبرع الأردن بمساعدة إسرائيل والتيار الفلسطيني المتأردن لتحقيق حل يخدم إسرائيل، ويخرجها من أزمتها التاريخية المتعلقة بحدود الجغرافيا والديمغرافيا.
هناك من يصرّ أن هؤلاء الكتاب الذين ينظرون للقفز عن قرار فك الارتباط، ليسوا معزولين وإنما مرتبطون ببعض الرموز التي تشغل مناصب مهمة. ويكثر الحديث مؤخراً عن تفاهمات مع الفلسطينيين (كوثيقة عين – عين التي يصر البعض على وجودها في حين ينكر آخرون) التي لا تحقق للأردن أي مكسب سوى خسارة موقعه ومساعدة إسرائيل. على الذين ينادون بالكونفدرالية أو إعادة النظر بقرار فك الارتباط، أن يقنعونا كيف سيخدم مثل هذا التوجه مصالح الأردن العليا. هنا نتكلم عن مصالح الدولة، ولسنا بصدد الحديث عن معالجة حالات إنسانية. مرة أخرى، قرار الأردن بفك الارتباط كان قراراً استراتيجياً حكيماً، فلم يأت اعتباطاً، وإنما لتضافر عوامل عدة، أهمها إصرار الفلسطينيين على حقهم في تمثيل أنفسهم.
الغد.