مصطفى سلامة .. لاجيء فلسطيني يرفع علم الأردن فوق إيفرست
اسعد العزوني
06-04-2016 05:43 PM
أتحدث اليوم عن الكابتن مصطفى سلامة الذي وطئت قدماه أعلى سبع قمم في العالم ، وهو ليس من أبناء نادي الذوات المتنفذين الذين تتداور عليهم المناصب العليا ، وكأنهم العشرة البررة المبشرين بالجنة ، وتنتقل هذه المناصب إلى ذريتهم توريثا قسريا ، بل هو لاجيء فلسطيني غادر والده إلى الكويت وعمل فيها سائق شاحنة خط خارجي ، ولذلك كان كثير الغياب عن البيت ، ما جعل الأم الصارمة تتولى تربيتهم ، والغريب في الأمر أن والده أيضا كان مخرجا مسرحيا .
عاد مصطفى من الكويت ليدرس الفندقة في الأردن ، ويقطن في مخيم الوحدات عند عمته التي كان لديها 19 ولدا ، لذلك لم يجد له مكانا للنوم سوى على السطوح ، وكان خارج اوقات الدراسة يبيع الكوكاكولا وحلويات الصواني على رأسه في المخيم ليوفر قوت يومه.
لم يستسلم مصطفى لقدره وينحرف ، ولكنه واظب وتعب ، وساقه القدر للعمل في بيت السفير الأردني بلندن براتب مقداره 500 دينار بوظيفة جارسون ، وكان والده العائد منكوبا من الكويت بعد حرب الخليج الثانية يتسلم الراتب من الخارجية الأردنية ، ويصرفه على اولاده.
لم يكن يعرف اللغة الإنجليزية وهذه ما كان يضايقه ، فترك العمل عند السفير وضحى بالراتب الكبير ، وواصل مشوار حياته كادحا يشق دربة بالتصميم على النجاح وواظب العمل إما جارسونا أو غاسل صحون ، وذات ليلة رأ ى حلما أنه يرفع الأذان ويصلي فوق قمة جبل إيفرست ، فإستيقظ منهكا يتصبب جسده عرقا .
عندها بدأ بقرع الخزان ، وتوجه لصحيفة بريطانية وعرض الأمر على صحافي كان يتناول طعامه عنده في المطعم الذي يعمل فيه ، فوعدوه بكتابة تقرير عنه ، وعاد إلى عمان ليجرب قرع الخزان فيها ، لكنه لم يجد أذنا صاغية ، فرجع مرة ثانية إلى لندن ، ونشرت الصحيفة تقريرا عنه ، فإتصل به الديوان الملكي طالبين منه العودة الفورية إلى عمان لأمر هام ، فخمن أن جلالة الملك عبد الله الثاني فرأ التقرير ، وكان تخمينه في محله ،
وإستقبله جلالة الملك أحسن إستقبال وإستمع لقصته ووعده بالدعم.
عاد إلى لندن وإقترح عليه فندق الشيراتون الذي كان يعمل فيه أن يدربه على تسلق القمم في التبت ، وبدأ البرنامج وعانى مصطفى ما عانى من من عمى الثلج ، ناهيك عن النوم في خيمة لم يعتد عليها والأهم من ذلك أنه إضطر لوقف التدخين نهائيا بعد ان كان مدخنا شرها .
لم يستسلم للفشل بل صمم على الإنجاز مستعينا بالله وغادر إلى امريكا وتسلق أعلى قمة هناك ، وذاع صيته وترجم جلالة الملك كلامه في اللقاء الأول إلى دعم ملموس على أرض الواقع ، ما شد من أزر مصطفى ، وفي الأعوام 205-2007 عانى كثيرا وفشل في تحقيق الحلم ، لكنه إزداد إصرارا على إصرار ، رغم إصابته بالقرحة وبالربو.
وفتح الله عليه عام 2008 وكان تسلق جبل إيفرست في 15 أيار فقرر المكوث هناك عشرة أيام ليكون تربعه على عرش القمة صبيحة عيد الإستقلال الأردني ، وهناك رفع الأذان وصلى وزرع العلم الأردني ، ليكون بذلك هو اللاجيء الفلسطيني الذي إحتضنه جلالة الملك وزرع العلم الأردني فوق قمة إيفرست.
ما جعلني أكتب قصة هذا الشاب المكافح ليس لأنه نجح في الوصول إلى أعلى قمم العالم السبع ، رغم عظمتها وما فيها من دروس ، بل الذي حثني على تسطيرها هو أنه لا جيء فلسطيني تشرد في لندن ، وعندما نجح في الوصول إلى قمة إيفرست رفع العلم الأردني وزرعه فوق القمة ، ومع ذلك لم نسمع منه أنه يستمنن بأنه خدم البلد وانه إبن بلد يجب أن يتقلد أرفع المناصب ويتقاضى أعلى الرواتب ، بل على العكس من ذلك يعتز بفلسطينيته وبأردنيته معا ويعد بالمزيد من أجل خدمة الأردن ، رغم انه قدم دعما ماليا لبنك الحسين للسرطان بقيمة 2 مليون دينار من خلال نشاطات تسلقية ، وها هو يخطط لتدريب خمس فتيات أردنيات على تسلق قمة إيفرست ، لنرى إن شاء الله أن أول فتاة أردنية ستتربع على عرش قمة إيفرست في العام 2008، أليس هذا هو الولاء والإنتماء ؟