ستبقى نقشا على جدارية الوطن
إخلاص القاضي
05-04-2016 05:04 PM
ظني بك يا كاتم الاسرار وزارع الامل، ان قلبك الكبير الطاهر الذي توقف عن النبض فجأة، لم يعد يحتمل او يتسع لهموم اعتاد على سماعها كل يوم، اعتقادي يا اشرف الرجال انك اتخمت القلب صبرا وتحملا لاوزار غيرك, فاختل الميزان، اذ استورد فؤادك كل الاحزان، ولم نسألك خاطرك او "كيف حالك " يوما، ظنا منا بان المختص النفسي" مُحصّن ولا يمرض ولا يتعب ولا يحمل هما مثلنا".
التقيتك مرة في اطار انجاز احد التحقيقات الصحفية، واشرت علي "انه وتوفيرا لوقتي وجهدي، ووقته - دون جهده - , ان ابادر الى الاتصال التلفوني بك في اي وقت لاستكمال رأي علم النفس في اي قضية صحفية اجتماعية" وهكذا كان , فلم يبخل المرحوم الحباشنة على الاعلام مرة، مسترسلا بالفكرة العلمية حتى النهاية , قائلا لي ذات مرة، ان ذكاء السؤال يستفزه، فيكمل عني الفكرة حتى النهاية، مفجرا عنقودا من التحليلات النفسية التي تجاوزت النظريات الى واقع اسهم بعبقريته في فك الكثير من الغازه , لاسيما وان تقارير صحفية اشارت الى وجود ما يقارب المليون مريضا نفسيا في الاردن , فكم اسهمت يا طلق اللسان ونظيف اليد بحل مشكلات الالاف من هذا المليون.
نزل خبر وفاة مستشار الطب النفسي الدكتور محمد الحباشنة علينا كالصاعقة , فلم تتأخر مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الخبر الذي احال تلك المواقع لبيوت عزاء متنقلة، لا ندري انعزي عائلته المحترمة ام نعزي انفسنا , فقد رحل من حسابنا جميعا، من حساب الوطن , الذي انجب رجالا , خدموه بالغالي والنفيس.
سألتك في احد المؤتمرات حول غياب المرأة عن بيتها بقصد العمل والمشاركة في الحياة، وهل يعد غيابها هذا عنفا على الاطفال، اجبتني وبعد التفكير للحظات، بان مجرد السؤال هو صيغة اعتذارية عن الغياب، مضيفا "يكفي ان تشعر المرأة بهذا الشعور الذي يحفزها لتعويض اطفالها عن فترات الغياب , بطريقة نوعية , مغدقة الحنان عليهم".. كم اثلجت صدري ايها الراحل باجاباتك التي تخطت برودة التحليلات النفسية الجامدة لمواكبة اي تفصيل استجد علينا بحكم نمطية التطور المتسارع والنظريات الاستهلاكية المقيتة، واجابتك هذه غيض من فيض مشاعرك وعلمك وحضورك الطاغي وقلبك الكبير.
برحيلك يا جميل الخلق والاخلاق، وعظيم السيرة المهنية، يا كريم النفس , وواسع الصدر , يا ملاذ المقهورين، واب المساكين، وسيد الحضور في جلسات التخصص المهني، يا بهي الطلة والطلعة , ومحلل عقدنا ومشكلاتنا التي لا تنتهي , برحيلك ايها النشمي الاردني افتقدنا عالما عملاقا شكل نقلة نوعية في تاريخ الطب النفسي , وشكل حالة جماهيرية تُطيّب الخاطر لمجرد ظهورها على شاشات التلفزة التي تسابقت لاستضافته لمصداقيته وصدقه ونبل اخلاقه , برحيلك يا صديق الصحافة والاعلام، فقدنا مؤنسا طالما قلل من روع قضايانا مؤشرا علينا باهمية الصبر وبركة الانتظار وقوة الارادة وجليل العزيمة.
ها انت تترجل يا فارس الكلمة الطيبة، لتترك اثرا لا تمحوه السنون، وبصمة على جبين الوطن، تقول ان الاردن الغالي هو مصنع الرجال الرجال الذين خدموه بكل امانة واخلاص حيثما حلوا وارتحلوا , وانت حتى بارتحالك الابدي , ستحل دائما وابدا بيننا كطيف وذكرى ستبقى نقشا على شرفة القلب الوطن يا سيد النبل والشهامة.