حان دورك لتسمعني يا (د. محمد الحباشنة) ..
عبد المجيد عصر المجالي
05-04-2016 04:00 AM
ما بالها الدنيا تسلب منا الأحبة مرة بالموت وأخرى بالفراق، وتبقي على الذين لا يُغني وجودهم ولا يُطاق ؟!
منذ أن عرفتك وأنا أكتفي بدور المستمع والتلميذ النجيب الذي يعتبر كلام أستاذه حقاً لا ريب فيه ،منذ أن عرفتك ونصائحك لا تقبل القسمة على التفكير ،كنت أنفذها كما هي دون أن أقف لحظة متأملاً إمكانية الخطأ والصواب،منذ أن عرفتك وأنا أسمعك جيداً و جداً ،وأعتقد أنه حان دورك لتسمعني هذه المرة :
قبل أن ألج الحزن من بابه الكبير أرجو أن تتقبل اعتذاري لأنني لم أسألك مرة عن سبب نكراننا للمبدعين وإنزالهم المنزلة التي يستحقونها وهم بيننا ،فيما نتذكرهم وندرك قيمتهم بعد أن يسبقنا الموت ويدركهم ،لعل نفوسنا_وأنت أعلم مني بالنفس وما سوّاها_ تطمئن بالإنكار ويصيبها الفجور حين تذكر الآخرين بخير وتحب لهم ما تحبه لنفسها ،ثم تتذكرهم حين يصير الكلام بلا معنى والشهادة بلا قيمة والدمعة محاولة تعبير فاشلة جداً !
كيف طاب لك أن ترحل بلا مقدمات وأنت تعلم أن حياة أمثالك لا تعنيهم وحدهم ،كيف تحمل إنسانيتك الكثيرة وتكتب السطر الأخير ثم تمضي دون أن تخبر الواقفين بباب عيادتك ينتظرون رؤية وجهك الذي يساعد على الشفاء وكلامك الذي يغني عن الدواء ،الناس قلقة جداً ومتوترة جداً ومتعبة جداً أيها الطبيب الإنسان والاكتئاب صار مثل الرشح منتشراً جداً ، فكيف تترك هذه الأشياء تفتك بنا وأنت الخلطة السرية للطمأنينة وسادن الراحة وآمرها ؟!
أعرف أنني أفرطت في إستخدام كلمة "جداً" وأنا أكتب لك وعنك، استخدمتها "جداً"، ربما لأنك كثيراً ما كنت تستخدمها لتوصيف الأشياء ، فهذا بالنسبة لك مبدع جداً،وذاك عروبي جداً،فلان حر جداً،وعلان مقاوم جداً والحياة لا تستلم لغير المثابرين جداً، كنت مفرطاً في تشجيع الآخرين والتصفيق لإبداعاتهم وتنفيس كربهم بأمر الرحيم ،لذا إسمح لي أن أرد لك بعضاً من بضاعتك الجميلة التي كنت تنشرها في أجوائنا المشحونة وحياتنا المضطربة دون أن تنتظر ثمناً او إشادة:
كنت طبيباً بارعاً جداً وطيباً جداً ومبدعاً جداً، ورجلاً كتبت عليه الإنسانية قبل أن تكتب عليه سواها،كنت حراً جداً ولم تعترف يوماً بسقف ولا خطوط حمراء سواء في كتاباتك أو في ظهورك التلفزيوني الآسر، ولطالما تركت هذا المنبر أو ذاك لأنه لم يتفق مع مبادئ التزمت بها التزام الأنبياء برسالتهم،كنت عربياً جداً وأردنياً جداً ومقاوماً للتطبيع مع الكيان الصهيوني جداً ..وأنا لا أعرف كيف أرثيك وأعزي وطني بخسارته الكبيرة برحيلك،وليس معي سوى قول الراحل الكبير عبد الرزاق عبد الواحد:
"لـَسـتُ أرثيـكَ.. لا يَجـوزُ الـرِّثـاءُ.. كيفَ يُـرثى الجَـلالُ والـكِـبـريــاءُ"
أظن أن هذا البيت يصلح لك "جداً" !!