نحتاج احيانا الى قدر من الخيال كي نتصور ما الذي كان سيؤول اليه الواقع العربي لو ان الحلم بالوحدة تحقق حتى في حده الادنى، ذلك لأن من يعتقدون ان القوى الخارجية واعداء العرب وحدهم الذين أعاقوا الوحدة ووضعوا الهراوات الغليظة في دواليب عربتها، اخطأوا مرّتين، مرّة في تحديد مفهوم الوحدة ونقله من المستوى الوجداني الشعاري والنشيدي ومرة اخرى في اغفالهم للعوامل الداخلية، فالمتضررون من الوحدة هم الذين يدركون ان المعايير غير المحلية سوف تضعهم في حجومهم الحقيقية، لكن بقاء الحال على ما هو عليه يتيح لكل قرية عربية ان تزهو بمثقف او شاعر او حتى فيلسوف، على طريقة القرد بعين امه غزال، او الاعور في بلد العميان امبراطور!
ولأننا ما زلنا في نطاق الخيال السياسي فإن ما كتبه الجزائري الطاهر وطّار عن عودة الشهداء الذين سوف يتعرّضون لاعادة القتل لكن من ذويهم ومن المستفيدين من غيابهم فإن الوحدة لو تحققت لسارَعَ ارباع واسداس وأعشار الموهوبين الى تفخيخها كي تتفجر بمن فيها، لأن ما كان سيحدث هو ان الآلاف ممن يتصورون انفسهم نجوما ومشاهير في قراهم لن يكونوا كذلك، وان بطولة السباحة في ساقية او بركة ماء ليست بأية حال كقطع المانش او الغطس في البحر المتوسط.
لقد كان فشل الوحدة الضارة النافعة لهؤلاء الذين قرروا المفاضلة بين السيء والآسوأ، اما الأجود فهو مطرود من المعادلة، فالمتنبي لم يكن عضوا في اتحاد كتّاب او نقابة، والجاحظ لم يكن بحاجة الى وزارة اعلام تبشّر به، وابن خلدون لم يكن خائفا من سحب جنسيته بحث يتردد في الكتابة عن الموجات الرعوية التي تهدد الحضارة والتمدن.
والعرب الذين لعنوا طيلة قرن سايكس بيكو علنا سبّحو بحمدها سرا، اذ لولا ما أنجزته من التشطير والتذرر لما اصبح الكومبارس بطلا، ولما رقصت الفئران في غياب القطط، ومن نسمعهم على مدار الساعة يشكون من التقسيم والتطييف قد يوزعون الحلوى اذا طالهم نصيب بحجم زبيبة من هذا الخراب!
الدستور