مشروع قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الجديد .. بقلم - الأمير مرعد بن رعد
04-04-2016 03:15 AM
لا يزال الأردن يثبت يوماً بعد يوم دوره الريادي في تحقيق التنمية الشاملة لجميع مواطنيه، والنهوض بحقوقهم دون أي شكل من أشكال التمييز.
وقد جاءت موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لسنة 2016 تتويجاً لجهود تبذلها المملكة منذ عقود، لمواكبة التطورات والمستجدات في مجال الإعاقة على صعيد المفاهيم والممارسات، التي سبقت إليها دول عديدة، بفضل مراجعاتها المستمرة لاستراتيجياتها وتشريعاتها المختلفة.
وقد كان الأردن سباقاً على غيره من دول المنطقة بإطلاق أول استراتيجية وطنية للأشخاص ذوي الإعاقة عام 2007، وبتوجيهات من جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي يولي هذا القطاع اهتماماً يتجلى في كل مناسبة ومع كل حدث.
إن تضمين الدستور الأردني، في مادته السادسة، فقرةً خاصةً عن الأشخاص ذوي الإعاقة يعكس توجهاً واضحاً وصادقاً من الدولة نحو تحقيق المساواة، وتكافؤ الفرص، لهذه الشريحة الفاعلة من أبناء وبنات الوطن.
لقد تضمن مشروع القانون الجديد، الذي ستحوله الحكومة قريبا إلى مجلس الأمة، بشقيه النواب والأعيان، للسير في أطره التشريعية، جملةً من الأحكام التي تحقق المقاربة مع المعايير والممارسات الدولية الفضلى، وذلك من خلال مجموعة من التدابير، التي روعيَ فيها الشمول، وضمانة التطبيق، والتدرج الذي يحقق التحول السلس من التوجه الرعائي إلى التوجه القائم على الحقوق وعدم التمييز وتحقيق الدمج الكامل.
ويعد التعريف الجديد للشخص ذي الإعاقة، وجملة التعاريف الخاصة بعدم التمييز والموافقة الحرة المستنيرة وإمكانية الوصول، والترتيبات التيسيرية المعقولة والأشكال الميسرة؛ من الركائز الفاعلة التي جاء بها مشروع القانون، لتبنى عليها أحكامه، بحيث تعكس المنظور الجديد للإعاقة بوصفها حالةً من التفاعل بين عوامل عدة؛ فردية وسلوكية وبيئية، تنتج واقعاً يجد فيه الشخص نفسه في مواجهة عوائق حقيقية، تحول دون تمتعه بحقوقه وحرياته على أساس من المساواة مع الآخرين.
من جهة أخرى، يعالج مشروع القانون الجديد مسألةً لطالما كانت عقبةً أمام الجهات التنفيذية المختلفة للقيام بدورها على نحو فعّال، ألا وهي مسألة تداخل الاختصاصات والأدوار نظراً لطبيعة النظرة السائدة لقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، بحيث أدى المنظور الطبي الرعائي لهذه القضايا إلى حصرها في قطاعات خدمية تأهيلية محدودة، ومنعزلة عن البعد الحقوقي، الذي يُوجب قيام كل جهة بدورها.
إنّ هذا التداخل والخلط المفاهيمي لقضايا الإعاقة أفرز واقعاً باتت فيه مسؤوليات التعليم مثلاً منوطةً بجهات ذات صلاحيات خدمية رعائية، في حين أفضى انحصار تشخيص الإعاقات بمعناه الواسع بجهات طبية محضة يغيب عنها تنوع الاختصاصات التربوية والسلوكية والنفسية الاجتماعية؛ إلى غموض كبير في تعداد الأشخاص ذوي الإعاقة وتصنيفهم وتوزيعهم الجغرافي، الأمر الذي ينعكس سلباً على تمكّنهم من الوصول إلى الخدمات الرئيسية المتاحة للجميع. من هنا، جاء مشروع القانون الجديد بأحكام تراعي شمولية معايير التشخيص وترسم الأدوار، وتوزع الاختصاصات بين الجهات التنفيذية والرقابية والفنية على نحو يكفل تكاملها وتضافر جهودها، وبما يحقق الاستفادة القصوى من الخدمات والمرافق ويضمن للأشخاص ذوي الإعاقة تمتعاً كاملاً بحقوقهم وحرياتهم.
إننا ندرك أنّ التغيير يحتاج إلى وقت وتدرج يتيح مواءمة البيئة المادية والاجتماعية لتصبح بيئةً حاضنةً للتنوع، بوصفه من مظاهر الاختلاف الطبيعي بين البشر. لذلك فقد تضمن مشروع القانون أطراً زمنيةً واسعةً تكفل للجهات المختلفة الحكومية وغير الحكومية اتخاذ التدابير ووضع البدائل اللازمة لتحقيق التحول نحو بيئة دامجة تستوعب الجميع.
ويتجلى نهج التدرج في مشروع القانون الجديد في التدابير الخاصة بتحويل دور ومراكز الإيواء غير الحكومية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة إلى مؤسسات نهارية دامجة على مدار عشرة سنوات ضمن خطة وطنية تكفل حلولاً وبدائل تدرّجية توازن بين مصلحة الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم والعاملين في تلك المراكز، وبين تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في اندماج هؤلاء الأشخاص في المجتمع وتدريب أسرهم على التعامل العلمي الصحيح معهم، وتمكين تلك الأسر من الوصول بأبنائها وبناتها إلى أقصى سبل العيش المستقل.
لا شك في أنّ بلوغ هذا الهدف يتطلب من الجميع النظر إلى ما يجب أن يكون، وليس إلى ما هو كائن الآن. فمتطلبات التغيير توجب التعاطي مع هذه القضية بوصفها قضيةً وطنيةً ترتبط بفلسفة وقيم التعايش المشترك وقبول الآخر، التي عُرِفَ بها بلدنا الطيب، الذي كان وسيظل نبراساً في احترام كرامة الإنسان وحماية حقوقه وصون عيشه الكريم.
ويشكل محور التعليم بدوره نموذجاً آخر في التحول من البيئات التعليمية الخاصة والمقيدة إلى بيئات مهيئة دامجة، وذلك من خلال خطة وطنية شاملة يبدأ تنفيذها بعد مرور سنة كاملة على نفاذ مشروع القانون، ويتم استكمالها على مدار عشر سنوات، بحيث تنتهي بجعل المؤسسات التعليمية بكوادرها ومناهجها ومرافقها دامجةً ومستوعبةً للطلبة ذوي الإعاقة، جنباً إلى جنب مع زميلاتهم وزملائهم من غير ذوي الإعاقة.
إن تقييم الواقع والأداء يمثل أول خطوات تطويرهما وتغييرهما، ثم يلي ذلك التوافق على أداة ذلك التغيير. وقد جاء مشروع القانون الجديد أداةً لتغيير واقع عكفنا على تقييمه ومراجعته مع مختلف المعنيين والمتخصصين داخل الأردن وخارجها على مدار 4 سنوات، ليبقى بعد ذلك الاختبار الحقيقي لنا جميعاً والمتمثل في مدى قدرتنا ورغبتنا على التحول والتغير، واللحاق بركب كنّا دوماً في طليعته، بل من أبرز قياداته.
* رئيس المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين
الرأي