لم يشهد العالم كارثة أخلاقية وإنسانية كما يشهدها العالم العربي خلال السنوات الأخيرة، فمنذ الحرب العالمية الثانية لم يسمع عن حصار للمدنيين لتطويع الحركات المسلحة أو تركيع الأهالي في المدن والبلدات الثائرة كما شهدناه في المناطق السنية بالعراق وفي مناطق أخرى من سوريا، وتلك الإجراءات القاسية جدا والخارجة على منطق البشر ترقى الى جرائم إبادة جماعية، يغلفها الجُبن و و التأصل البربري للمنطق الطائفي، وإذ نربأ بأنفسنا عن الحديث بمنطق الطائفية والإقليمية ، نجد أنه لزاما علينا أن نرفع الصوت عاليا لرفع الحصار،الذي تضربه ما تسمى قوات الحشد الشعبي بقيادة مرجعيات طائفية، عن مدينة الفلوجة العراقية السنية.
قبل عام وشهر من اليوم نحت جلالة الملك عبدالله الثاني، مصطلح «سنستان»،بتأكيد على حماية المدنيين السنة في العراق من الخطر المحدق بهم جرّاء الغزو الداعشي وسيطرته على بعض مناطقهم من جهة ورد الفعل من جهات أخرى تطال حرماتهم وحقوقهم الأساسية إجتماعيا وإنسانيا وسياسيا، والسبب هو ظهور المكونات السياسية الأخرى بوضوح، فكردستان وما يتبعها هي مناطق آمنة للعراقيين الأكراد، والمثلث الجنوبي من العاصمة بغداد هي مناطق آمنة للمكون العراقي الشيعي، بينما المناطق الأخرى للسنة العرب لا بواكي لها ولا تنطبق عليها سياسة الحماية من جهاز الدولة أو الإتفاقات الدولية،وكان من الأولى الإعتراف بهم على أساس المواطنة،دون تمييز أو إنكار أو إقصاء،أو حصار عقابي.
إن ما يجري على مدينة الفلوجة من حصار وحشي،هو عقاب جماعي ليس له علاقة بالحرب ضد الإرهاب، ولكن الذين يشاركون بحرب التجويع وقطع الإمدادات الغذائية والطبية والمائية عن المدينة، يعيدون تكرار ذات الإجراءات التي كانت قد قامت بها قوات علي المجيد في ظل نظام الرئيس السابق صدام حسين حينما قامت مناطق الجنوب بمحاولة الثورة على النظام، وكما حدث مع بلدة الدجيل التي حاول البعض فيها إغتيال صدام حسين، ولكن الفرق أن علي الكيماوي عندما قصف المناطق الكردية في حلبجة والسليمانية وغيرها كان يعاقب ما أسموهم المتآمرين مع إيران، ولكن أهل الفلوجة وقعوا ضحية فكي الصراع الطائفي، داعش والمليشيات المدعومة من إيران، تحت صمت الحكومة والأمم المتحدة.
لقد عانت مدينة الفلوجة ذات الحصار والترويع والقصف الممنهج في زمن حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ولأكثر من ثلاث سنوات، تحت ذريعة محاربة التنظيمات الإرهابية، وعلى يده نشأت نواة المليشيات العسكرية الطائفية، وقد زرع خلال حكمه لثمان سنوات شبكة معقدة من الزعامات الفاسدة التي تستغل الرعاع والعاطلين والمنحرفين، لإقامة جيوش غير نظامية داخل الدولة العراقية لمعاقبة إخوانهم من أبناء السنة في المناطق المحاذية للعاصمة بغداد و كربلاء، ما دفع أخيرا بأبناء العشائر الى الخروج جميعهم في إعتصامات شهدها العالم، وشهد قصف قوات المالكي لها، ما نتج عنه خلع المالكي والإتيان بحيدر العبادي الذي يحاول أن يظهر الوجه الحسن بلا طائل.
قبل أربعة عشر عاما من اليوم إقيم المستشفى الميداني الأردني في مدينة الفلوجة،وذلك بعد أشهر عمليات القتل والترويع التي تعرض لها الأهالي هناك، وبعد عام تاريخ إنشائه وتحديدا في 10/4/2004 توجهت طلائع القوافل من المساعدات الأردنية قوامها 20 شاحنة محملة بالأغذية والمساعدات الطبية والعلاجات وكافة المستلزمات التي تحتاجها الأسر وأطفالها الى الفلوجة ولا تزال، ومنذ ذلك التاريخ والمدينة تذبح كلما سنحت الفرصة للقتلة،ولم يكن ذنب أهلها أن تنظيم داعش سيطر عليها في السنتين الأخيرتين لعدم وجود قوة للحكومة المركزية فيها،رغم أنها أقرب مدن محافظة الأنبار للعاصمة بغداد، ومع هذا لم يتحرك أحد لإنقاذ ومساعدة مئات الآلاف من البشر المحاصرين والمُقتّلين كل يوم، من داعش السنة ومن داعش الشيعة أيضا.
إن العار يطارد الجميع للأسف، ليس المجرمين وحدهم، ولكن لكل من يصمت على جرائمهم، فأخيرا رفعت الهيئات الإسلامية صوتها لمناشدة الناس لإغاثة المدنيين في الفلوجة، واتهم مركز جنيف للعدالة الأمم المتحدة بأنها شريك بالجريمة وذلك بصمتها عما يجري على المدينة، فيما أصدرت لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب العراقي بيانا أكدت فيه استنكارها لتأخر قوات الأمن العراقية بفك الحصار عن المدينة التي يعاني مائة الف من النساء والأطفال والشيوخ من الموت جوعا ومرضا، والعالم الذي يتعاطف مع القطط لا يلتفت الى سنة العراق.
الراي