النجاح عبقرية وروح يستلهمها القادة الأوفياء، وتسكن في وجدانهم وعقولهم، وتنتقل إلى من حولهم، فتجعلهم ينطلقون في خدمة أوطانهم وشعوبهم دون كلل أو ملل في طريقهم الشاق الطويل نحو الهدف، وعبقرية النجاح تلهمهم القدرة العجيبة على تجاوز العقبات، وتخطي المصائد التي ينصبها أعداء النجاح الذين تجمعهم مصالح فردية وفئوية صغيرة وطموحات متفرقة، وعصبيات جاهلية ضيقة ومقيتة، وتسكنهم روح الفشل والإفشال، ويمتلكون عبقرية الإعاقة وصناعة المشاكل ونصب الحواجز.
كما النجاح عبقرية وروح فكذلك الفشل روح وعبقرية تسري في طوائف وفئات من البشر تجعلهم يمتلكون قوة تعطيل الأمة عن النهوض والانطلاق، وتحول دون امتلاك المجتمعات لأوراق القوة الجمعية التي تجعلها تمسك بخيوط الفجر المضيئة لتجاوز عتمة الليل البهيم، وتكبر المصيبة وتعظم عندما يتمكن عباقرة الفشل من احكام قبضتهم على مواقع القيادة والتحكم في مصير الجماهير.
تتجلى روح الفشل في أولئك الذين يظنون أنفسهم أكبر من الشعب وأكبر من الدولة، فيذهبون إلى التضحية بالدولة ويغامرون في مستقبل الشعوب على مذبح الوهم الكبير وتضخم الذات، الذي يعمي الأبصار عن تقدير حجم الخسائر التي تصيب الدولة ومؤسساتها ومستقبلها، والذي يجعله عاجزاً عن رؤية حجم الضرر الذي يصيب الأجيال، وعاجزاً عن تقدير مقدار الزمن الذي يحتاجه اصلاح هذا التدمير الهائل.
وتتجلى روح الفشل ومظاهر عبقرية الفشل في كل مواقع المسؤولية، عندما يتم تحويل المسؤولية، إلى سلم للمجد الشخصي ويتم تحويلها إلى فرصة للإثراء الفردي على حساب المجموع.
ولذلك كانت احدى أهم استراتيجيات الإفشال لدى بعض دوائر العمل الاستخباراتي العالمية هي الوصول إلى العبث في التعيينات واستلام مواقع القيادة والمسؤولية في الدولة المستهدفة في الخصومة، لأن الدراسات تقول ليس هناك أشد ضرراً على الدولة ومؤسساتها من تسلم الضعفاء والعجزة والفاسدين لمواقع المسؤولية فيها.
لا طريق لمواجهة روح الفشل التي تسري في أوصال المؤسسة إلّا عن طريق إحلال روح النجاح البديلة، وروح النجاح لا تسري في الأوصال المعطوبة ولا المغلقة بالفساد، لأن عدو النجاح الأول هو الفساد بمعناه الشامل ؛ الفساد السياسي والفساد الاقتصادي والمالي، والفساد الإداري، والفساد الأشد بشاعة هو ذلك الذي يتعلق بالمنظومة القيمية، وفي السلوك الأخلاقي، وفي فساد الفكر الذي يثمر خطاب الكراهية والتعصب،ويؤدي الى تدمير الامة من داخلها.
روح الفشل التي تسيطر على بعض العقول، وأنماط العمل الفئوي تثمر إبداعاً في سلوك الإفشال للآخر، حتى تصل إلى مستوى العبقرية في هذا المجال حتى يصبح سمة بارزة وواضحة، تنطبق على الأنظمة والحكومات وتنطبق على الأحزاب والجماعات، في عالمنا العربي، التي تفسر الانحطاط الذي وصلت له الأمور على كل الأصعدة وفي كل المجالات، والشعوب تحصد ثمار عبقرية الفشل التي تتجلى بالتخلف والعجز والفقر والمديونية، والجلوس على أرصفة الطرق والمطارات التي تقلع منها قوافل الحضارة.
الدستور