شَوْقِيْ إليْكِ كَشَوْقِ النَّحْل لِلزَّهَرِ
يا غِنْوَةَ البُلْبُلِ الْغِـرِّيدِ ، يا وَطَرِي
إنّي حَلَمْتُ بِكِ، الأيَّامَ ، سَيِـّدَتي
ظِلّاً ظَـلِـيلاً، وَرَوْضَاً يَانِـعَ الثَّـمَـرِ
فيهِ الحَياةُ تَمُورُ الْخِصْبُ يُسْكِرُها
يُقَبِّلُ النَّحْلُ فِيها حَـالِمَ الـزَّهَـرِ
ويَحْتَسِيْ مِنْ جِرَارِ الشّهْدِ خَمْرَتَهُ
كَالسِّحْرِ مِنْ ثَغْرِكِ الْمَعْسُولِ يا قَمَرِي .
***
كَمْ كُـنْتُ أحْسَبُ أنّ الدّهْرَ يَـتْـرُكُنا
نَشْدُوْ مَعَ الطّيْرِ مِنْ آياتِـهِ الْغُـرَرِ
وَكَمْ حَلَمْتُ وَكَمْ طَيـّرْتُ في أفُقِي
سِرْبَ الْحَسَاسِينِ فِي سَهْلٍ وفي وَعَرِ
كَأنّها مِنْ رُضَابِ الثّغْرِ شَارِبَةٌ
سَكْرَى تُطَوِّفُ مِنْ مَاءٍ إلى شَجَرِ
وَكَمْ رَسَمْتُ عَصَافيراً مُغـرِّدَةً
فِي مَسْمَعِ الْكَوْنِ فَاقَتْ رَنَّةَ الْوَتَرِ
وَكَمْ غَزَلْتُ لَكِ الشّالاتِ مِنْ هُدُبِيْ
وَحُكْـتُها مِنْ عُرُوقِ الرّوحِ والْـفِكَـرِ
وَكَمْ نَظَمْتُ لَكِ النّجْمَاتِ أجْمَلَها
في خَيْطِ رِمْشِيْ مَعَ الْأقْمارِ والدُّرَرِ
وَكَمْ جَمَعْتُ لَكِ الْأزْهَارَ أزْرَعُهَا
فِيْ مَشْتَلِ الْوَرْدِ في بُسْتَانِكِ الْعَطِرِ
وَكَمْ سَهِرْتُ لَها اللّيْلاتِ أُدْفِئُها
بَيْنَ الضُّلُوعِ وَأَحْمِيهَا مِن الْخَطَرِ
وَكَمْ هَتَفْتُ بِجَوْفِ اللّيْلِ مُنْتَحِبَاً
يَا أنْتِ يَا حَبـّةَ الْعَيْـنَـيْنِ، يَا قَدَري !
مُرِّيْ عَليَّ فَإِنّي الْيَوْمَ فِي سَغَبٍ
وَالرُّوحُ ظَامِئَةٌ والْقَلْبُ فِي ضَجَرِ !!
***
شَوْقيْ إلَيْكِ عَلَى الْأَيّامِ مَجْمَرَةٌ
يَضُوْعُ فِيْ جَوْفِهَا قَلْبيْ وَيَسْتَعِرُ
والدَّرْبُ مَحْفُوفَةٌ بِالشَّوْكِ يَذْبَحُنِي
والرُّعْبُ يَأْكُلُ مِنْ رُوحِي فَـتَـنْفَطِرُ .
***
مَا لِيْ سِوَاكِ عَلَى الْأَيـَّامِ فِي ظَمَأِيْ
نَهْرٌ مِن الْحُبِّ فِي الصَّحْراءِ يَنْفَجِرُ
يُعيدُ عُمْريَ رَوْضَاً فِيْ جَوَانِبِهِ
تَجْري الْمِـيَاهُ ، ويَنْمو الزَّرعُ وَالثَّمَـرُ
ويَهْتِفُ الطّيْرُ نَشْوَانَاً بِجَنّتِهِ
يَحْنُوْ عَليْهِ غَديرُ الْمَاءِ ، والشَّجَرُ
***
عُوديْ إليَّ،فَمَا فِي الْعُمْرِ مِنْ سَعَةٍ
عُوديْ إليَّ فَإنّي،الـدَّهْرَ، مُنْتَظِرُ .