حين تصبح الجرافة سلاحا ..
23-07-2008 03:00 AM
قد ينعتني البعض بالّدّموية....لكنني رغم شعوري ببعض الأسى الانساني تجاه ضحايا عملية الجرافة الثانية الذين لم يقتل منهم احد..والتي حدثت في القدس ليلة أمس...الا أنني لم اتمكن من أن ألوم منفذ ّها ولا أن أنعته بالارهابي..كما لم أتمكن من تبرئة ساحة اسرائيل من دماء مدنييها الجرحى الذين سقطوا نتيجة لممارستها العنصرية تجاه الشعب المرابط في الاراضي المحتلة..ان جُلّ ما كنت أفكر فيه أثناء مشاهدتي للصور المنقولة من موقع العملية ، أن أمر هذا الفلسطيني غريب...فكل ما في يديه سلاح...ان هذا الشعب يمتلك من التصميم والعزم والفكر الخّلاق ما عجزت عنه شعوب بأكملها طيلة اجيال..وهو كلما زاد المحتل في تكبيله، تفنن في ايجاد الوسائل الفريدة لتحطيم قيده,وكلما اعتقدت اسرائيل أنّها أمسكته بيد من حديد، تلقت صفعة موجعة فتّت عنجيهة نظامها وسخرت من اجراءاتها الأمنية المشددة التي لم تتمكن من حمايتها من ردات فعل عنيفة وطبيعية ومبررة ومشروعة من اولئك الذين تسحقهم كل يوم وكل ثانية..
لم أستطع منع نفسي من الشعور ببعض الفخر....
فاسرائيل بكل استراتيجياتها الفذة وخططها المحكمة فاتها ان تدرك أن جدارا اسمنتيا باردا لا يعني أي شئ امام رغبة الفلسطينيين في الحياة,,لم تستطع رغم تشييد مثل هذا الحاجز العنصري واللاانساني أن تمنع عمليات مقاومة كهذه والتي كانت الدافع الرئيسي لاسرائيل لبناء مثل ذلك الجدار...
أنا لا أحسد اسرائيل ..فليست هذه المرة الأولى التي تتلقى فيها ضربة في الصميم..
فاسرائيل لم تدرك بعد ، ان اسلوب المواجهة والمكابرة وانكار الحقوق لن يعمل أبدا في صالحها، وان وعودها الكاذبة التي ينتشي البعض بسماعها لم تتجاوز أعتاب آذان الفلسطينيين ولم تدخل قلوبهم ولاعتبات عقولهم...أيصدقون مايرون أم ما يوعدون به منذ ازل؟
ان اسرائيل كلها بكامل ترساناتها المسلحة وتحصيناتها الأمنية والوهم الذي يسكنها لم تتمكن بعد من فهم العنفوان الفلسطيني الشاب ولا من ايقافه...وكيف يمكنها ايقاف عمليات فردية كهذه...مباغتة ...عفوية,,ولا يمكن التنبؤ بها...ان هذه الدولة المحتلة بجميع اجهزتها الاستخبارية و جهودها التنسيقية مع العديد من الجهات الداخلية والخارجية الأخرى لم ولن تتمكن ابدا من الاستحاطة لعمليات شعبية كهذه..وقودها الغضب والنقمة و نتيجتها نصر آخر صغير للارادة الفلسطينية ..
..ان الكيان الاسرائيلي برمته، لم يفهم بعد أن حالة التمرد والغضب هذه لا تسكن فقط أرواح منفذي مثل هذه العمليات ، بل هي جزء اساسي من تركيبة أي فلسطيني وموروثه الأصيل..لم يدرك بعد ان أبناء الشعب الفلسطيني بالمجمل يتشربون المقاومة بجميع صورها ، وان عنت جسدا..حجرا...سكينا .. قنبلة أو حتى جرافة...أو....
فما قام به دوايات وابو طير ليس بالامر الجديد في سير المقاومة الفلسطينية،،فمن قبلها كان الحجر ..وكانت السكين..وكانت الطائرات والسيارات والحافلات والبحر...حتى الموانئ سخرت لخدمة قضية الوطن المغتصب والأرض المنزوعة...
أتأمل وجه غسان أبوطير ومن قبله حسام دوايات وأنا موقنة أنهما لن يكونا آخر من يستخدم جسده ,,وجرافة... للسخرية من اسرائيل وارباك أمنها,,,والتقليل من أهمية أي جمل رتيبة يتشدق بها ممثلوها عن سلام محتمل...عن أي سلام نتحدث.؟ أهو سلام قتل المدنيين في وضح النهار أم دك البيوت على رؤوس قاطنيها واقتلاع الأشجار وحرق الزيتون ؟ أم قد يكون ذاك الذي يدعو الى اذلال المدنيين على الحواجز العديدة المزروعة في اراضيهم واراقة كرامتهم الآدمية كل نهار؟
أكاد أجزم أن أبوطير اعتصره الاسى وهو يشاهد الرصاصة الي تلقاها أخاه المعصب العينيين منذ عدة ايام..من بندقية اسرائيلية جبانة.,,لابد ان الدماء قد غلت في عروقه الأبية وأمدته بشحنة هائلة من الغضب والاشمئزاز...
كيف يمكن أن يرى احدنا مشاهد حارقة كهذه دون ان تنزف كرامته؟
أرجو أن لا يتفضل أحدكم ويخبرني أن قتل المدنيين أمر خاطئ...فأذناي لا تستقبلان حجة كهذه...ان كانت هذه قناعاتكم الحقّة فاصرخوا بها في وجوه القتلة المحترفين ، الذين يباركهم الوجود العالمي وتعذرهم السياسات الدولية...أو انبشوا قليلا في وجدانكم لعلكم تسترجعون ملامح شهدائنا ان انتم نسيتم الاسماء.. لا يحدثني أحدكم عن حرمة دمائهم بعد أن سقطت جميع المحرمات في تلك البقع الدامية....وبات ابناؤنا الذين لانعلم كيف استطعنا حمايتهم من الرصاص الى الآن ، يفيضون سخطا على المجازر اليومية التي تستفز حتى أكثر القلوب قسوة وتحجر...
لاسبيل الى ايقاف بركان الثورة المتفجر،فصائل وأفراد، الا بادراك اسرائيل أنها لا تملك وحدها مفاتيح التهدئة...ولن تشهد المدن الاسرائيلية صباحات طبيعية دون حل يضمن للفلسطينيين أبسط حقوق الوجود الانساني...
لابد أن تدرك اسرائيل أخيرا ان أفئدة يأكلها الغضب لما يحدث في أراضيها لن تسلّم يوما,,وان عيونا تشتعل حرقة وألم لن تلقي السلاح...فان لم يوجد رصاص يوجد عزم...وعند فقدان الدعم ، نبتكر أسلحة أعتى,,,
ان اسرائيل التي تكابر منذ دهر، وتأبى اي تجاوب فعلي مع أي من الاطراف الفلسطينية، شعبا وحكومة وفصائل لن تهنأ بسلام حقيقي حتى تحترم كينونة الفلسطينيين وتعترف بعجزها عن قتل المقاومة التي تسكنهم...
والى أن يأتي ذلك الوقت,,فأنني ارى العديد من الجرافات القادمة من الأفق، وغيرها من...ومن....ومن....
rubazeidan@yahoo.com