مدن على ورق .. و شبهات نصب واحتيال
22-07-2008 03:00 AM
من أكثر الأمور إضحاكا في ما مضى من سنوات خلال فورة غلاء أسعار الأراضي والتهافت على عمليات البيع الشراء والسمسرة ، ان يجد إنسان نفسه ملقى على قارعة الطريق .. يخصف من شجر الشارع ليستر عورته .فقد كان بعض السماسرة أو أصحاب الأراضي يروجون لمشاريع وهمية على انها ستقام في مناطق لهم فيها قطعة أرض أو يعملون على تسويقها بطريقة كاذبة غشيشة.. ومن تجربة شخصية لي مع تلك الشرذمة غير المسؤولة ، إن أحد أو مجموعة من السماسرة سربوا إشاعة لا تمت الى الواقع بصلة عن انتقال مبنى رئاسة الوزراء الى قصر أحد أهم الشخصيات الوطنية في منطقة الجيزة وتحديدا في أم العمد .. والإشاعة الأخرى ان مبنى لأهم رموز الحكم الاردني سوف يقام في منطقة قرب الأخيرة .. وغيرها من الإشاعات والقصص لإقامة مشاريع ضخمة كالجامعات والمدن السياحية في عدة مناطق من المملكة بهدف اصطياد مشترين يلهثون وراء الربح أو مجاورة المشاريع الكبيرة .. وهذا ضرب من ضروب النصب والاحتيال والغش ، مارسه للأسف كثيرون من أجل حفنة دنانير .
وخلال الفترة السابقة استغلت بعض المكاتب العقارية حركة البيوع النشطة ، فقامت بشراء مساحات كبيرة من الأراضي في مناطق مقفرة ، يعتذر الذباب عن الإقامة فيها لعدم وجود أي أسباب للحياة الطبيعية فيها ، ثم قامت تلك المكاتب بعمل مخططات ورسومات خرائطية لتلك القطع ، وقسمتها حسب مخيلة المخرج ، وحددت مكان المدرسة والنادي والحدائق والمسابح والمحلات التجارية فضلا عن المسجد ، ثم تم تقسيم القطع بالألوان الخضراء والصفراء حول مركز { المدينة المفترضة } ووضع على عدد من القطع إشارة مباع ، بهدف إقناع الجمهور بأن الحركة بدأت ، فأما ان { تلحق حالك وإلا راحت عليك } .. ثم بيعت كثير من القطع بهذا الأسلوب الرخيص ، ليتبين أخيرا إن كل تلك المشاريع الوهمية هي مدن على ورق ومن يريد أن يصنع له مدينة فليشمر عن ذراعيه ويشرع في بناء { لطميته } وصومعة بكاءه في الأرض الخلاء .. فلا حكومة تقدم خدمات ، ولا وزارات تعبد طرقا وتنشئ مدارسا ولا بلديات تقدم خدمات الصرف الصحي وجمع النفايات والرسوم الباهظة .. وكل هذا جرى ، بصمت ثلجي ، مر على الناس وكأنهم نيام مصابون بمرض السير النائم يشترون ويدفعون ،وينتظرون ، وفي المقابل هناك من يقبضون ، ولا من سمع ولا من درى ، ولا حتى سؤال حكومي .. لتنتهي القصة إن هناك آلاف المواطنين يمتلكون اراض في أقصى بقعة من القلب الوطني ، حيث خريف قاحل ، وشتاء قارص ، وعواطف ميتة ، لا بل متعفنة ، رائحتها قاتلة .. لتتوقف اليوم حركة البيع والشراء ، وتتجمد الدماء في أوراق الدنانير التي كانت تسير بكل تدفق ونشاط بين أيدي الناس .. وتبدأ مرحلة النهاية .
ما سلف ليس حبكة قصتنا .. ولعلني أسهبت في حديث ليس بالحديث ، بل انتهت مدة صلاحيته .. ولكن اليوم تظهر على السطح جزيرة حالمة جديدة ، هي الاستثمارات في البورصة من خلال مكاتب أهلية ، ليس لها أي أسس أو ضمانات ودائع ، أو أصول تأمينية لدى البنوك الكبرى .. كل ما هنالك ، دفعة قوية من الوعود بالربح المضمون والسريع ، وتزكية من بعض المستفيدين ، لجمع أكبر عدد من العملاء غير العاملين أو العالمين بمصيرهم ومصير نقودهم .
القصة تدور حول مكاتب تعلن عن نفسها على انها شركات تتعامل بالبورصة ، وتستثمر أموال المواطنين ، وتدفع للمواطن العميل معها نسبة تصل في حدها الأعلى الى 25 بالمائة وهذا مبلغ يسيل له لعاب العديد من البسطاء ، ليضعوا أموالهم في أيد ٍ لا يعلم أشر تريد بهم أم خير .. ويقال ان بعض المواطنين قاموا بالاقتراض من البنوك او الأشخاص للاستثمار مع تلك المكاتب وانهم بدءوا يقطفون ثمار ـ الربا ـ الذي زرعوه ، ولكن بنزر يسير .
المعلومات تقول ان هذه المكاتب قد انتشرت في العديد من المدن الشعبية الاردنية والبلدات أيضا .. وذكر لي مصدر مطلع ان أحد الأشخاص في إحدى قرى شمال المملكة يحتفظ بمئات الآلاف من الدنانير في صناديق كرتونية في منزله حسب معلومات غير رسمية .. وهناك طلبة جامعات يشتركون في هذه العمليات كمسوقين أو عملاء .. وفي القرى شمال عمان يقول أحد المحامين إن هناك نساء قمن ببيع مصاغهن ، ومواشيهن من أبقار وماعز للاستثمار في هذه البورصات القروية .. ويقال ان التهافت عليها أصبح يشكل ازدحاما لدى أصابع المسؤولين في تلك المكاتب جرّاء المصافحة والقبض والعدّ .. والمشكلة إن الحكومة ترى وتسمع وتتثاءب ، دون تحرك استعلامي عن حقيقة الوضع .
نعلم ان هناك أشخاص كلفوا خزينة الدولة أموالا طائلة ، وبعض المسؤولين يتعمدون إغاضتنا بالكشف عن مشاريع هائلة في العاصمة ، تكلف جيوبنا بالتالي ملايين الدنانير دون هدف واضح ، ودون نتيجة مبررة ، وكأننا سحرةّ نحول التراب في لحظة الى ذهب ، او نحن دولة نفطية ، أو غازية ، أو مطرية .. متناسين ان أربعة ارباع الشعب إلا جزء من الربع هم من أعضاء السلك الفقري .. والكثير من المواطنين يكادون يتسولون طعامهم .. والبطالة استشرت بين الشباب كما استشرى مرض السرطان بين أبناء الجنوب .. والمسؤولين منشغلون بتعديل ربطات عنق الحكومة ، واختيار آخر خطوط الموضة لتغيير لباسها ، وعمل تسريحات {مهندية } لوزاراتها ، وأصبح أهل الرأي والمشورة وإصدار الأحكام من المسؤولين والسائلين في البلد هم رواد المطاعم الليلكية .. والجلسات المنسفية .. وتركوا خيول الاستثمارات تدك سنابكها بطون الفقراء الضامرة .. ولن نتمنى ان نستيقظ يوما ونحن نردد بيت الشعر العربي القائل :
لقد ذهب الحمار بأم عمرو ... فلا رجعت ولا رجع الحمار
وعليه فعلى الحكومة .. ولا ندري فعلا أي جهاز في الحكومة نخاطب .. ان تتحرك فورا للتحقيق في عمل تلك المكاتب ، وأولئك الأشخاص ، لحماية المواطنين الأبرياء ، وبعض الأخوة الذين لا يمتلكون نباهة عالية لمعرفة مصائد تلك الجهات ، قبل ان تقع الفأس في الرأس .. ثم بعدها تحيل الى المدعي العام اشخاص تورطوا في الاحتيال على آلاف المواطنين بمبالغ طائلة ، ثم لا نجد من تلك الأموال سوى أخبارها .. كما حدث مؤخرا مع بعض الجمعيات ومكاتب المعالجات الحزبية .. وحظا طيبا نتمناه للمواطن الكحيان في فرص الفوز بالجائزة الكبرى .
Royal430@hotmail.com