يعود أهالي الفحيص وجيرانهم وأصدقاؤهم الى دوار شاكر الطعيمة للاعتصام امام بوابة مصانع الاسمنت يوم السبت 2 نيسان، في صرخة جديدة في وجه الادارة الفرنسية لشركة لافارج، احتجاجا على ما تخطط لمستقبل مدينتهم، بعد ترحيل المصنع، واغلاق الافران، بعد ان استنفذ استخراج الاسمنت من جبال واراضي الفحيص، وقبل ان تتحول شركة لافارج الى مكتب عقاري لبيع الاراضي المقام عليها المصنع، وهي بدأت فعليا بألاعلان في الصحف المحلية عن بيع اراض في ماحص وصافوط.
مهما حاولت لافارج البقاء في الفحيص من خلال ملكيتها لمصانع الاسمنت، فإن عمرها قصير، وسوف ترحل في النهاية، وقد انتبه اهالي الفحيص مبكرا الى مرحلة ما بعد المصنع، ولمن سوف تؤول الاراضي التي انتزعت منهم قبل نحو 60 عاما بمساحة تتجاوز 3000 دونم تحت بند المنفعة العامة ودعم الاقتصاد الوطني، وبأسعار لا تتجاوز 3 دنانير للدونم.
قبل سنوات، وللدقة في 20 كانون الأول / ديسمبر 2011، وخلال استقبال اهالي الفحيص لجلالة الملك، منح جلالته نشطاء العمل البيئي في الفحيص دفعة معنوية هائلة، عندما أعلن أمام مستقبليه أنه شخصيا مهتم بالقضية البيئية.
وطلب جلالته من أهالي مدينة الفحيص إبلاغه شخصيا في حال تنظيمهم لاعتصام احتجاجا على التلوث البيئي، حتى يتمكن من التضامن معهم والمشاركة في الاعتصام.
هذا الحوار الصريح والشفاف بين جلالته ونشطاء العمل البيئي، كشف موقع القضية البيئية واحتلالها مرتبة متميزة في أجندة جلالته، والتي تفاعل معها فور أن قدم لجلالته ملف علمي موثق عن الأضرار البيئية التي تسبب بها مصنع الإسمنت على المناطق المجاورة له في الفحيص وماحص.
الان القضية ليست بيئية فقط، بل مرتبطة بمستقبل المنطقة وخصوصية مدينة الفحيص، وهي ليست ترفا ونشاطا زائدا عن الحاجة لكوكبة نشطة من الشباب، فهي متداخلة في الحياة اليومية، وكيف سيكون شكل ومستقبل المدينة في السنوات المقبلة.
الذين عاشوا سنوات عمرهم في الفحيص يعرفون حقيقة ملوثات الإسمنت وحجم المعاناة الناتجة عن تدمير صناعة الإسمنت لصحة أبناء المنطقة الذين يعانون من أمراض صدرية مزمنة. والأخطر، بحسب سجلات المدينة الطبية، أن أكبر نسب الإصابة بأمراض القلب يحتلها جيران مصانع الإسمنت من أهالي الفحيص وماحص، حتى اضطر طبيب صديق إلى أن يطلق دعابة مؤلمة: "إننا في المدينة الطبية مش ملحقين تركيب شبكات لشرايين الفحيصية..". كما دمرت صناعة الإسمنت أجمل المسطحات الخضراء في بلادنا، وكذلك دمرت الأشجار والتنوع الحيوي، وكافة أشكال الحياة المحيطة بالمصنع، من بشر وشجر.
استثمار لافارج في الفحيص الان يتعدى التفكير بصناعة الاسمنت الى الاستثمار في اراضي المصنع بعد اغلاقه، والان بات مطلوبا من الحكومة والجهات الرسمية الكشف عن حقيقة بيع مصانع الاسمنت الى شركة لافارج، وهل تضّمن البيع الارض وما عليها، وما هي الارقام الحقيقية في هذه الصفقة إن تمت بالفعل؟
على الفحيصيين ان ينتبهوا جيدا ان هذه القضية، كبيرة وخطيرة، ولها ابعاد قانونية ودستورية وفنية واستثمارية، لا يتم التعامل معها بالصوت العالي، ولا التنازع بين المؤسسات الكثيرة في الفحيص.
القضية تحتاج الى خبراء وفرق فنية وهندسية وقانونية ودستورية واستثمارية، وافكار مبتكرة، وصندوق مالي لاعادة تأهيل المنطقة، وحلول منطقية للدولة والمجتمع، مرتبطة بمستقبل المنطقة.
يليق بمدينتين باهرتي الجمال، الفحيص وماحص، اللتين تضعان لحظة غروب الشمس ما علق بهما من إرهاق على أكتاف أسوار مدينة السلام القدس، أن تتخلصا من جيرة الإسمنت التي زاد عمرها على 60 عاماً، وارتبطت ومنذ سنوات بأكبر قضية بيئية في الأردن، وكانت مثار الجدل والنقاش على أعلى المستويات، كقضية وطنية لا تخص أهل الفحيص وماحص وحدهم. وهي الان قضية وطنية كبرى تتعلق بمستقبل المنطقة وكيف سيكون حالها في المستقبل.