حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي من جديد
ياسر زعاتره
29-03-2016 02:30 AM
في أجواء الثورة المصرية التي تمثل أيقونة الثورات العربية، قيل إن تلك الثورة كانت ثورة الفيسبوك أو مواقع التواصل، رغم عجز الأخيرة عن حمايتها من الإجهاض. في ظل التطورات الأخيرة في المنطقة، بدا أن الحديث عن تأثير تلك المواقع قد تراجع، وأصيب الناس ببعض اليأس، رغم أن استخدامها لا يزال قائما، بل يتصاعد على نحو أكبر، بانضمام آخرين إليها ممن كانوا يعزفون عنها. لا تندلع الثورات وتنجح بسبب الغضب الشعبي وحسب، فلا بد إلى جانب ذلك من ظروف موضوعية مواتية، ومثال الثورة السورية أكبر دليل على ذلك، فهنا ثمة نظام يعاني من عزلة شعبية هائلة، ليس بسبب دكتاتوريته وفساده فحسب، بل بسبب هيمنة أقلية طائفية عليه في زمن انفجار الهويات، وحيث يصعب أن ينحاز الناس إلى حزب أو قيادة من غير طائفتهم أو عرقهم حتى لو كان ناجحا، فضلا أن يكون دكتاتورا وفاسدا أو فاشلا.
ولك أن تتذكر أن حكومة حزب العدالة والتنمية قد سجلت نجاحات مذهلة بشهادة العالم أجمع، ومع ذلك لم تحصل في أحسن أحوالها عما يزيد عن نصف أصوات الناس. وهذا الانفجار في الهويات لا ينحصر هنا في المشرق وحسب، بل يشمل الغرب أيضا. لكي تندلع الثورات وتنجح لا بد لها من ظروف موضوعية محلية تتعلق بقوة الدولة وأجهزتها، وأخرى إقليمية ودولية مناسبة، وفي الحالة السورية مثلا رأينا أن كل ذلك الغضب على النظام لم يؤد إلى إنهائه حتى الآن بسبب يُتم الثورة، وانحياز أكثر العالم ضدها، وتأثير وجود الكيان الصهيوني في السياق. لكن الحديث عن مواقع التواصل وتأثيرها لا ينحصر ابتداءً وانتهاءً بإطلاق الثورات وتأمين نجاحها فحسب، إذ أن هناك ما هو دون ذلك، إن كان بمراكمة الرفض وصولا إلى الهدف الأكبر، أو كان يتحقيق إنجازت جزئية أو مرحلية تتعلق بمواجهة الفساد والظم، وتجاهل إرادة المجتمع وثقافته. تابعنا مؤخرا كمثال على ذلك كيف أطاحت مواقع التواصل بوزير من العيار الثقيل في مصر، أي أحد أركان النظام، وذلك على خلفية إساءته لمقام النبي عليه الصلاة والسلام، وبذلك بعد حملات سابقة عليه، بسبب أخطاء أخرى بدت استخفافا بالناس، وضميرهم الجمعي. ولم يكن هذا هو المثال الوحيد، إذ تتوفر أمثلة أخرى في دول عديدة لا يتسع المجال لذكرها هنا (ليست مطابقة بالضرورة). سيقول البعض أن مواقع التواصل لا تصنع ثورات، ولا تفرض تغييرا، وأنه لا بد من نزول الناس إلى الشوارع، والرد يتلخص في سؤال: من قال إن هناك تناقضا بين الأمرين، فالأولى تدفع نحو الثانية، أي تدفع الناس للنزول، ثم تحمي من ينزلون أيضا، وما جرى في مصر أثناء الثورة دليل على ذلك. المصيبة التي نواجهها هذه الأيام، تتمثل في سيطرة رجال الأعمال المحازين غالبا للأوضاع القائمة على منابر التأثير الإعلامي، لكن الحقيقة هي أن مواقع التواصل تبقى أكثر تأثيرا من تلك المنابر، وهي تواجهها، أو تحُد من تأثيرها في أقل تقدير. في ضوء ذلك ينبغي القول إن أحدا لا ينبغي أن يقلل من شأن مواقع التواصل، بل يجب أن يشجّعها العلماء والمفكرون والدعاة، ويرشّدوها في آن، بحيث تبقى منبر مراقبة وتأثير في المجتمعات، في ذات الوقت الذي تراكم فيها العمل والفعل، وصولا إلى تحقيق روح الربيع العربي ممثلة في شعاراته الكبرى عن الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
الدستور