لا مذنب سوى الحرب ... نحن أدوات لا أكثر ... ولدنا في بركة دماء تخبطنا بصمت الخروج الأول ...فلولا صفعة القابلة على مؤخراتنا لظننا أن العالم في الخارج يشبه الداخل ... بطن الأم لا يشبه سطح الأرض .
ليست تلك نبوءة ولا استقراء لنهايات عشناها في البدايات ... منذ تفتح عقولنا ونحن نقرأ تشردنا عن أوطاننا ... ولم ننجُ من فخ المنفى حتى ونحن نقرأ رواية اورويل 1984 ( الحرب هي السلام ، الحرية هي العبودية ، الجهل هو القوة ) حكم الأقلية الطاغية ... لم ننسلخ عن جرحنا الغائر الذي ولد فينا قبل أن نبصر النور على أرض تسحق الجباه و تجبرك على الانحناء لأنك غريب في أرضك وأرض سواك .
راياتنا كقطع ملابس تحمل كل لون وممزوجة بالضعف والهوان والتمزق ينهش أرواحنا بعدما شبع من أجسادنا وتركنا نظلم أنفسنا في كل لحظة نتواطأ فيها مع واقع يُصر على تكميم أفواهنا وعيوننا ... لندّعي بطريقة أو بأخرى أننا بخير .
لسنا بخير ... رغم كل ما ينمو فينا ومنا ولنا وليس لنا ما لنا رغما عنا ... فالجدران تُبنى ... تفصلنا ، تعزلنا، تغتالنا ... ومع ذلك نواصل العزف على وتر مشدود بين أمل في الخروج وملل نتكئ عليه كلما زادت نسبة مشاهدتنا ونحن نموت جذورا بلا أشجار .
بالغنا بالمسيرات الكلامية ... ونفرت أصابعنا كثرة التحليق إلى الأعلى شاهرين علامة النصر ... كما لو أننا نصوب أسلحة نارية وقنابل عنقودية على عدو يجلس على ربوة عالية لا يلقي بالا لأمثالنا .
نعدّ الأيام والسنين كما نعد المدن العربية ... كثيرا بل أكثر قليلا من أيام الشقاء والحرمان والخذلان الذي عاشه شعب يحفظ تاريخ موته أكثر من تاريخ ميلاده .
1948 ... نكبة الطرد والتهجير ... ونكبة الجهل والخوف ... نكبة القتل والذبح والتشريد والهدم ... ولا ننسى فضل الأعلام الملونة الخفاقة والمدن الكبيرة تحكمها شرذمة صغيرة تهدي لنا خياما كي نغطي به عورات جيوش صُنعت لتدافع عن قاتلنا .
لا تحذير في زمن التخدير ... وسائل الإعدام شوهت الحقائق ... وقلبت المفاهيم ... فالعائدون مقيمون ... والمرابطون قليلون ... والمهمّشون يغمضون عقولهم ويفتحون عيونهم ... يستيقظون ويتعبون من أجل إرضاء أجسادهم .. يأكلون ويلبسون ويظنون أنهم أحياء ...
موتى يتحركون ... ادخلوا مساكنكم ليحطمنكم خطاب عسكري ... يذكركم بأنكم خرجتم من التاريخ ... تاريخ مرقع من تركيا الفتاة إلى مستعمرات لا تغيب عن الشمس .
وشروق الشمس لا ينتظر رفع إشارة النصر ولا يافطات معلقة على مداخل الأسواق وعتبات المخيمات ... تعلن ذكرى الخيبة والهزيمة ... وتعلن ذكرى انتفاضة جنرالها طفل ...ودول العالم تلوم الطفل .
جيفارا مات ..لكن احترافه الفرح والثورة ظل يلازمه حتى آخر ابتسامة في وجه قاتله ... فكل الثورات صنعها الفكر المكبوت ... والكرامة المهدورة .. والوطن المغلق والهوية القاتلة ... حين يحدق فيها رجل أمن من قطر عربي .. ينظر إليك كمجرم محترف ويهز رأسه كسيد للكون ويطلق صرخة تعودت عليها منذ بصقتك أرصفة الغربة ... فلسطيني .... تتذكر أنك أشرس حيوان على وجه الأرض . فتبتسم السماء لك . وتقول في نفسك لعل 2048 نكتب هوامش على دفتر النصر .