في الطريق لتحرير عاصمة الخلافة تدمر تتحرر وداعش تحتضر ..
د. زيد نوايسة
28-03-2016 01:14 PM
اليوم ومع إعلان السيطرة التامة على مدينة تدمر وضواحيها وهروب عناصر داعش الذين نجوا باتجاه منطقة السخنة او من تمكن من الهروب الى الرقة – معقل التنظيم الأهم- نتيجة العمليات المكثفة للقوات النظامية السورية وحلفائها على الأرض، وبعد أسناد جوي روسي مكثف وصل في بعض الأحيان لأكثر من مائة وخمسين غارة جوية.
وبعد اكثر من ثلاثة أسابيع من العمليات العسكرية المعقدة والصعبة في منطقة صحراوية تمتد على اكثر من مائة وخمسين كم، وبالرغم من أن الانسحاب الروسي جاء في غمرة التقدم الميداني للنظام، الا انه لم يحدث أي تراجع للعمليات والقرار الاستراتيجي بالاتجاه نحو المدينة التاريخية والتي تحمل بالإضافة لرمزيتها الحضارية المعروفة عالمياً،أهمية استراتيجية كبيرة تتجلى في ان المدينة تعتبر عقدة وصل ما بين المحافظات السورية، خصوصاً بين العاصمة دمشق والمنطقة الوسطى(محافظة حمص) وما بين الريف الجنوبي الشرقي والشرقي (مدينة القريتين) والأهم بالنسبة لتنظيم "داعش" الأرهابي أن إحكام قبضته على تدمر يعني تمكنه من الربط بين مناطق يسيطر عليها في شمال سوريا ووسطها وشرقها وتهديد مدينة حمص، وقطع أحد الشرايين الرئيسية لتنقل القوات السورية بين المحافظات.
كما أن السيطرة على البادية السورية، التي تتوسطها تدمر، ستؤدي بالضرورة الى قطع الاتصال بين عناصر داعش التي ما زالت تتحصن في بعض مناطق القلمون الشرقي وبين عاصمة داعش ومركز ثقلها وهي محافظة الرقة وصولاً لمحافظة دير الزور والبوكمال والتي تملك حدوداً طويلة مع محافظة الأنبار العراقية، بالإضافة إلى أن تدمر والمناطق المحيطة بها تملك مخزوناً هائلاً من النفط والغاز استفاد منه التنظيم الإرهابي من خلال قنوات التوزيع التي وفرتها له سيطرته سابقاً على منطقة تل أبيض الحدودية مع تركيا والتي استطاع سلاح الجو الروسي من تدميرها مبكراً في بداية الحملة الجوية.
هذا التطور الميداني الاستراتيجي في المشهد السوري والذي يعتبر عملياً أول انتصار كامل للنظام السوري على تنظيم داعش أدى الى خسارتهم البادية السورية الكبرى، بعد هزيمتهم في مدينة عين العرب – كوباني- والتي يعزى الفضل الرئيسي فيها للقوات الكردية المحلية وبدعم قوات التحالف والولايات المتحدة الأمريكية، يمهد عملياً لاستمرار التقدم للقوات النظامية السورية نحو دير الزور والرقة وصولاً للحدود العراقية والتي بدأت فيها القوات العراقية بالسيطرة على منافذ كان التنظيم سيطر عليها سابقاً.
التطورات المتسارعة لا يمكن أخذها بعين الاعتبار دون التوقف عند جملة تطورات سياسية حصلت خلال الأيام القليلة الماضية لعل أهمها التوافق الأمريكي الروسي بعد لقاء كيري لافروف والذي توج بلقاء مع الرئيس بوتين في الكرملين وساهم في إزاحة العقدة الرئيسية في المفاوضات وهي مستقبل الرئيس الأسد والتي رحلت للمستقبل المحكوم بنقاط المبعوث الاممي ديمستورا الاثنتي عشرة والتي تمثل المشروع السياسي للحل في سوريا والتي جاءت نتيجة جملة تصورات استطاع الدبلوماسي الإيطالي المحنك ان يصيغها من طروحات الطرفين الوفد الحكومي ووفد (المعارضات) السورية التي جرت الرياح الإقليمية والدولية بما لا يتوافق مع تمنياتها وتمنيات رعاتها الإقليميين عرباً واتراك.
بالتأكيد أننا اليوم وبعيداً عن التفكير الرغائبي نجد أن الخطوط الحمراء التي اعلنها وليد المعلم تأخذ طريقها لتصبح من ركائز الحل السياسي في سوريا أو على الأقل تم ترحيلها في رهان على تبدلات إقليمية ودولية، وبعد كل هذا الدمار وكل هذه الدماء وبعد ان تحولت سوريا الى مركز لتدريب الإرهابيين ونشرهم في اربع رياح الأرض وضرب أوروبا وفي قلب عاصمة الاتحاد الأوروبي –بروكسل- في يوم دموي اسود وبعد اربعة اشهر من ليلة سوداء استهدفت فرنسا وخلفت مئات الضحايا الأبرياء تتحمل فرنسا والغرب عموما جزاء وفيراً من المسؤولية فيها لإصرارهم على رفض أي مقاربة عقلانية تؤدي لحل سياسي متوازن في سوريا استجابة لعناد الرعاة الإقليميين وللعقلية التوسعية الاستعلائية في تركيا التي استطاعت ان تنتقل من صفر مشاكل الى حالة اضطراب كامل على صعيد كل الملفات سواء الملف الكردي او ملف الاتحاد الأوروبي او ملف الإرهاب الذي يضرب دون هوادة.
العالم اليوم امام مهمة ملحة واستثنائية هي ضرب هذا التنظيم المارق الذي لا يمثل الإسلام لا روحاً ولا فكراً ولا سلوكاً والقضاء عليه والذي سيؤدي حكماً للوصول الى حل سياسي متوازن يساهم في خروج الشعب السوري من هذا الليل الطويل والمؤلم ويهيئ مناخات ستنعكس حكماً على الملفات الأخرى سواء في العراق أو اليمن أو ليبيا، فالعالم اليوم والغرب تحديداً أمام تحدي كبير وهو الإرهاب الذي صار يضرب في العمق مرتداً على التهاون في التعامل مع هؤلاء القتلة الذين يرتدون عباءة الدين زوراً وبهتاناً.