هل أتاك حديث الرعيان .. ؟!
عودة عودة
27-03-2016 12:51 PM
اليوم..سأكتب عن الرعيان، والمناسبة كانت رحلة رائعة برفقة أحفادي وبالتحديد في ربوع وادي السير في عراق الأمير ووادي الشتا وأبو سوس المطلة على الغور وفلسطين والغارقة في بحر أخضر من العشب اليانع تعلوه ورود وأزهار من جميع الأشكال والألوان تنشر رائحتها الطيبة الزكية في أرجاء المكان. غير النباتات الخضراء المزهرة والأشجار المورقة على التو..
جذبني وأحفادي الرعاة وأغنامهم وكلابهم، تماماً كما جذبت من قبل الشعراء جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي ومنصور الرحباني ومحمود درويش ..الذين نظموا أكثر من قصيدة عن هناءة الراعي وطمأنينة الرعاة..
ونحن أطفال كنا نرى الراعي عائداً من الحقول ومعه قطيعه، يدندن ويغني، يدندن لنفسه ويغني لنفسه ويعزف الناي لنفسه ولعزلته ولوحدته أيضاً.. مَن منكم رأى الليل كما رآه الرعاة، من منكم رأى إسوداد الظلام كما عرفه الرعاة، من منكم حل عليه الليل والظلام والمطر وهو خائف على حَمْلٍ مريض أو نعجة لا يعرف لماذا ارتفعت حرارتها فجأة، ولماذا لا يضاء الليل إلا بالبرق؟.
لا يمكن أن ننسى ونحن أطفال أن هناك شيئا آخر يضيء ليالي الرعاة الدوامس الحالكات، إنها (دودة الفسفور) التي كنا نسميها «شمعة الراعي» وكم حيرتنا شمعة الراعي هذه وهي تصنع هذا النور الوحيد في ذلك الظلام التي كان يبدو سرمدياً ما بين الغروب والفجر، لا ضوء إلا القنديل ولا شيء إلا القمر والنجوم حين آخر، عتم ثم خلفه عتم ثم خلفهما عتوم.. وفجأة تظهر شمعة الراعي وعلى ظهرها ضوء مثل مجموعة مصابيح لطائرة عابرة في السماء.
لا يعرف قيمة شمعة الراعي إلا الرعيان في لياليهم حالكة السواد، إنها حشرة فسفورية طائرة تبدد وحشة المكان لكثرة ما فيه من ظلمة وعزلة وخوف من عيون ذئاب جائعة وهي تبحث عن الخراف والحملان التي تكاد تموت من الموت عند رؤية هذا العدو المفترس القاتل.
ما أجمل أن تتأمل قطيعاً من الخراف والحملان عن قرب، إقتربت وأحفادي منها لنتأملها ونلمسها بحنان، وقد أنِسَتْ هذه الحيوانات الضعيفة مثلنا البشر بنا أيضاً، والراعي كان يشجعنا وينادي عليها بأسمائها التي سماها بأسماء البشر، كانت جميعها مرحة تتقافز من مكان إلى مكان آخر تعبيراً عن فرحها بوجود الأطفال أحفادي، الراعي يمتشق شبابته ويعزف وهو يجلس على صخرة أجمل الألحان فتنساب في المكان كمياه السواقي والينابيع..!
Odeha-odeha@yahoo.com