لماذا اقتصرت مدة الدورة البرلمانية الاستثنائية, على اثنين واربعين يومياً, وجرى التنسيب بفضها, قبل ان تنهي جدول اعمالها؟! انا شخصياً لا اعرف.
ما اعرفه ان مشاريع القوانين التي اقرها مجلس النواب, خلال مدة الدورة الاستثنائية, لم تكن استثنائية ولا مستعجلة, ولا تحتاج الى هذا الاستنفار التشريعي, لإقرار (24) قانوناً بزمن قياسي بكل المعايير.
وما أعرفه ايضاً أن أهم اربعة تشريعات وتقارير واردة على جدول اعمال الدورة الاستثنائية, لم تناقش, وجرى تأجيلها وهي: قانون الزراعة، قانون غرفة الزراعة، تقارير ديوان المحاسبة وتعديل النظام الداخلي لمجلس النواب.
لا اظن ان اثنين يختلفان على اهمية تحديث وتطوير التشريعات الخاصة بالزراعة, ونحن ندعو صباح مساء الى اعادة الاعتبار للزراعة في ظل المتغيرات والتحولات الجارية في الاقتصاد العالمي.
ولن نختلف ايضاً على الاهمية الاستثنائية لتعزيز الدور الرقابي الضعيف اصلاً لمجلس النواب, وتضييق الخناق ما امكن على مظاهر الفساد المالي والاداري, وتعزيز قيم النزاهة والشفافية في الادارة العامة. ومناقشة تقارير ديوان المحاسبة لسنة 2007، وهو الذراع الرقابي لمجلس النواب، ستوفر فرصة ذهبية للتصدي لهذه المهمة النيابية الاستثنائية. فمناقشة تقارير ديوان المحاسبة تكتسب اهمية استثنائية عندما تناقش في وقتها واحداثها ساخنة وقبل ان يصبح النقاش عديم الجدوى, او متقادم.
لم تناقش منذ عام 1989 تقارير ديوان المحاسبة في وقتها ولم تكن تقدم اصلاً في وقتها، وبهذه الطريقة كان مجلس النواب يلغي دور ديوان الحاسبة ويتخلى عن مهماته الدستورية. اما التعديلات على النظام الداخلي لمجلس النواب, فلا زالت هناك مقاومة ضروس واشكال عديدة من التحايل, لتحلل من ادخال تعديلات جوهرية على النظام الداخلي من شأنها ارساء العمل البرلماني على اسس وقواعد جديدة تقوم على المؤسسية والعمل الجماعي المنظم, وتستند الى الديمقراطية البرلمانية العصرية الحديثة, التي تحترم التعددية وتحد من الهيمنة والتفرد, وتمنع الاقصاء وتحمي حقوق المعارضة البرلمانية واصلاحات تحدث اساليب ادارة العمل البرلماني, ليصبح اكثر انتاجية في ادارة الوقت والجهد واكثر انسجاماً مع الدور الدستوري لمجلس النواب, واكثر شفافية في العلاقة مع المجتمع والرأي العام.
هذه التشريعات والمهام النيابية الاستثنائية من حيث الاهمية والضرورة, جرى تأجيل بحثها, والتنسيب بحل الدورة الاستثنائية! لماذا يحدث هذا؟! انا شخصياً لا اعرف, ولا اظن ان احداً من النواب يعرف ولا حتى المكتب الدائم للمجلس؟! لكنني ارجح السيناريو التالي: مطلوب من مجلس النواب ان يظهر بصورة المنتج والميسر لاعمال الحكومة ولرغباتها التشريعية, حتى لا يتهم بالاعاقة. وان الاغلبية البرلمانية, مستعدة لتمرير كل مشاريع القوانين والسياسات التي تريدها الحكومة.
هذه الصورة المرغوبة لمجلس النواب, تتوافق مع رغبة رئيس الحكومة في الظهور بمظهر المتعاون مع مجلس النواب, وهو الذي يردد دائماً امامهم عبارة نحن في مركب واحد. وهو في نهاية المطاف يحقق انسياباً غير مسبوق للتشريعات والسياسات الحكومية.
وحتى يكتمل المشهد النيابي- الحكومي, لابد من الاشارة الى الدعم غير المسبوق الذي يحظى به رئيس الحكومة من رئاسة المجلس. دعم غير مألوف بحميميته ومظاهره. اللهم لا حسد. وللانصاف, فالرئيس الذهبي فرض احترامه على الجميع.
والملاحظ ايضاً ان مجلس الاعيان دخل بقوة على المشهد النيابي الحكومي, واظهر دعماً واسناداً غير محدود للتوافق النيابي /الحكومي.. وصل الامر الى درجة ان مجلس الاعيان لم يرد اي من التشريعات التي وردت له من مجلس النواب, واقرها كما جاءت من النواب دون زيادة او نقصان. على العكس تماماً من مجريات الامور في الدورة البرلمانية السابقة حيث اعاد الاعيان للنواب 25% من التشريعات المحالة اليهم. وانا اعرف ان للاعيان ملاحظات عديدة, لكنهم فضلوا عدم اثارتها حتى لا تعود التشريعات مجدداً الى النواب وتعاق العملية التشريعية!
لا اعتراض على تعاون السلطات, بل يجب دعمه بقوة, لكن وفق القواعد الدستورية والمصلحة العامة. نعم نحن في قارب واحد, هو قارب الوطن الذي يضم الجميع, لكننا لسنا سلطة دستورية واحدة.
من حق رئيس مجلس النواب, زعيم كتلة الاغلبية البرلمانية الاساسية ان (يطبخ) ما يشاء مع حكومته.. والطبخ السياسي عمل مشروع, لكن ليس من حق زعيم الاغلبية البرلمانية ان ينسى انه رئيس لمجلس النواب وليس رئيساً للنواب، وعليه في هذ الحالة ان يتشاور مع الكتل والتيارات البرلمانية كافة دون تمييز، المعارضة قبل الموالاة، المشاركة في المكتب الدائم وغير المشاركة، لتحديد الموقف من الدورة الاستثنائية، واهمية واولوية التشريعات والسياسات التي تهم المجلس بصفة خاصة مناقشتها بما في ذلك اشكال من الرقابة كبند ما يستجد من اعمال او الاسئلة الشفوية. واخيراً مدة الدورة الاستثنائية والتنسيب بفضها بالتنسيق مع الحكومة.
اما الحكومة فلها كامل الصلاحيات والحقوق بأن تضيف ما تشاء على جدول اعمال الدورة الاستثنائية. الم نقل بأننا بحاجة الى تطوير وتحديث ودمقرطة وما سببه العمل البرلماني.. انها من اولويات الاصلاح السياسي الديمقراطي.
الصورة الاخيرة في المشهد البرلماني- الحكومي كما ظهرت في الدورة البرلمانية الاستثنائية, تظهر توافقاً وانسجاماً بين السلطة التنفيذية عموماً والسلطة التشريعية (بغرفتيها) الاعيان والنواب.
كيف سينعكس هذا الوفاق على مجمل المشهد السياسي، وفي الذهن ما جرى خلال الشهور الثلاثة الماضية. هل كانت مقابلة الملك مع \"بترا\"، كما يجب ان تكون الكلمة الفصل، وجرس الانذار؟ نأمل ذلك.