تماهي إرهاب الداخل مع الإقليم وأبعد
د.حسام العتوم
26-03-2016 12:44 PM
حادثان إرهابيان في شمالنا الأردني وقعا مؤخراً بتاريخ 1/2 و2/3 من العام الحالي 2016 كفلا بإعطاء إشارة واضحة على وجود خلايا نائمة للإرهاب تتحرك بين ظهرانينا هنا في وطننا الغالي الأردن وهي رهن إشارة أحداث الإقليم وعبر مسافات أبعد، فاستهدف الحادث الأول كما رواه لنا إعلامنا الوطني أفراد وضباط الجيش العربي الأردني بينما استهدف الثاني حياة المدنيين من أهلنا وجاءت النتيجة مرعبة للإرهابيين الجبناء وعكست صحوة رجال الأمن الأشاوس في بلدنا وقدرة عيونهم الحمراء الساهرة على حماية الوطن وإنسانه ومنجزاته، وفي المقابل ربحنا شهيداً بطلاً آخر بحجم الرائد راشد الزيود ابن العسكرية ووارثها عن والده اللواء الشهم حسين عاشق تراب الوطن وقيادته الهاشمية الحكيمة والقائل لحظة سماع نبا استشهاد ابنه وهو في الخارج: (كل جندي وكل ضابط في قواتنا المسلحة الأردنية هو مشروع شهيد يفتدي الوطن والعرش)، ومع حزننا على فراق راشد الذي اصرّ أن يتقدم رفاق السلاح من زملائه في مواجهة الإرهاب المتطرف إلا أنه طمأننا بأنه سيسلم على أبطال سبقوه على طريق الشهادة من أجل رفعة الوطن في مقدمتهم معاذ الكساسبة وفراس العجلوني وموفق السلطي ووصفي التل وهزاع المجالي وكايد عبيدات، وفي عمق تاريخهم وتاريخنا الملك المؤسس الشهيد عبدالله الأول بن الشريف حسين منارة ثورة العرب الكبرى المجيدة بانية الدولة الأردنية والمنادية بوحدة بلاد الشام وتوحيد العرب.
ولم ينفع من خطط لممارسة الإرهاب البشع في وطنه ووسط أهله وعزوته التستر بالأردنية وجواز سفرها ورقمها الوطني، فالأردني الحقيقي لا يغدر بوطنه واستقراره والعشيرة والقومية الأردنية شاهدة عيان على ذلك، وفي الحروب التي فرضت علينا مع العدو الإسرائيلي قبل وبعد عام 1948 مروراً بعام 1967 وفي (الكرامة) عام 1968 ومع عصابات (داعش) المجرمة والتي هي حربنا أيضاً تؤكد ذلك من جديد، وبالمناسبة (الدولة) التي تسمى (بالعراق والشام) التي يريد لها مُنظِّر (الإسلام – فوبيا) أبوبكر البغدادي أن تقوم بالأحزمة الناسفة وعبر دماء المسلمين والمسيحيين والدروز وغيرهم من شعوب المنطقة تتلاقى مع الكيان الإسرائيلي الذي نشأ على شكل دولة غير شرعية على أرض فلسطين التاريخية وأوسع في طريقة البناء الأسود، والمعروف إن عصابات (شتيرن) و(الهاغاناه) في عشرينات القرن الماضي هي التي تحركت وتشكلت وبقوة السلاح لاحقاً في الالتفاف على عصبة الأمم المتحدة عام 1947 وبجهد الأحزاب المتطرفة، ومن ثم عبر حروبها مع العرب لبناء دولتها ومنع نهوض دولة فلسطينة مقابلة بعاصمتها القدس الشريف وبكامل ديمغرافيتها عبر حق العودة والتعويض وإخلاء المستوطنات من ساكنيها شتات اليهود، واليوم عصابات (داعش) و(النصرة) و(جيش الإسلام) و(أحرار الشام) الأكثر إجراماً تتوحد للسيطرة بداية على عدد من عواصم العرب مثل (دمشق) و(بغداد) و(طرابلس) و(بيروت) و(صنعاء) بعد أن وسعت سيطرتها على (الرقة السورية) و(الموصل العراقية) و(سرت الليبية)، ولن يكون لهم ذلك بهمة عقلاء العرب والعالم، وتنخر في باقي بلاد العرب وأبعد. وتجنّد المرتزقة من معظم بقاع العالم من صينيين وسيرلانكيين وغيرهم وتحولهم إلى عقول ممسوحة أدمغتهم، وإلى انتحاريين قتلة، وتتحرك على شكل خلايا نائمة تعمل رهن إشارة حراك الإقليم.
وعدو الداخل أشد قساوة من مثيله الخارجي بطبيعة الحال ولنا هنا في الأردن تجربة مع السجين السابق المتطرف أبومصعب الزرقاوي صانع (داعش) في العراق واحد أهم مؤسسي (القاعدة) الإرهابية وكيف وجه سمومه إلى عاصمة بلده عام 2005 لتفجير فنادق ثلاثة متقاربة جغرافياً وذات الوقت زمنياً؛ كتب عبدالباري عطوان في كتابه (القاعدة – التنظيم السري، ص355 في أيلول/سبتمبر 2007) حذرت إحدى المؤسسات الأمنية الهامة في العالم، وهي المؤسسة العالمية للدراسات الاستراتيجية (IISS) من أن جوهر القاعدة لا يزال قادراً على التأقلم والمرونة، واستنتجت أن التهديد الناجم عن الإرهاب الإسلاموي يبدو أنه متجه نحو الأسوأ). انتهى الاقتباس، وفي (ص15) منه ذكر عطوان أيضاً بأن ما يميز تنظيم (القاعدة) عن غيره من التنظيمات الأخرى، هو قدرته على المفاجأة، وتطوير نفسه من خلال التوسع، وإنشاء فروع جديدة في مناطق عديدة من العالمين الإسلامي والغربي، وهذا ما يفسّر فشل محاولات استئصاله أو القضاء عليه رغم الجهود والأموال الضخمة وتعدد الجهات الاستخبارية العالمية المتحالفة من اجل تحقيق هذا الهدف. (انتهى الاقتباس)، وبناء عليه نقول هنا بأن تنظيم (القاعدة) الإرهابي الذي أسسه ابن لادن والجناح السلبي للوهابية لإخراج السوفييت قسراً من أفغانستان عام 1979 وسط ذروة الحرب الباردة بين السوفييت والولايات المتحدة الأمريكية وبالعكس وبمساعدة غربية كاملة ثم انقلبت عليهم وغزاهم في عقر دارهم في واشنطن والنيويورك انشطر إلى تنظيمات وعصابات ومرتزقة اكثر إجراماً بعد فشل الربيع العربي الذي نهض لمقارعة الفساد والظلم والديكتاتورية، فبدأنا نشاهد انتشار داعش خاصة بسرعة تفوق النار، وفروع أخرى سبق وذكرناها هنا مثل النصرة وغيرها، وكلها تحدق من الخارج صوبنا إلى الداخل الأردني وتتصيد الفرص للانقضاض ولا تكتفي بنشر الخراب في المناطق العربية التي باتت تسيطر عليها، وتتماهى مع الداخل وبالعكس وتبقي الباب موارباً لكي تستمر الرسائل المسمومة متواصلة، ولا خوف لدينا على حدودنا فهي آمنة بهمة وجهد جيشنا العربي الأردني الباسل وجنوده الأسود، وبالمعنويات العالية التي نستقيها من الجهود الرفيعة المستوى التي يبذلها سيدنا جلالة الملك عبدالله الثاني مع كبريات دول العالم وفي مقدمتها روسيا وأمريكا لتمكين حدودنا بالتقنيات العسكرية اللازمة، وجهاز أمننا الداخلي الأكثر احترافاً في المنطقة الشرق أوسطية، ومجتمعنا العشائري والقومي والحزبي والفكري الحواري والديمقراطي المشهود له بالتعليم والثقافة والوعي الوطني، ومثلما أن لدينا خيارات العسكرة والأمن وباحتراف نمتلك خياراً أيديولوجياً وطنياً وقومياً ودينياً معتدلاً قادراً على تغليب العقل والحكمة على التطرف وعلى مدى مسافات زمنية طويلة قادمة، ولكي نخرج من دائرة الغرور إلى العقلانية لا بد من الهبوط والتأكد من سير مسيرة التربية والتعليم في مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا، ولا ضير من اعتماد مساقات تدريسية في مجال مواجهة الإرهاب ومكافحته، وعلينا أن نتأكد أيضاً من أن بيوت الله آمنة ويقودها أهل الفكر المعتدل لما فيه كل الخير لإنساننا وهي ذاتها التي استهدفها إرهاب بالأمس وهو ما سمعته وصرح به والد الشهيد البطل راشد اللواء حسين الزيود بحضور قائد جيشنا الفريق أول مشعل الزبن.
وخطاب سيدنا جلالة الملك عبدالله الثاني الأحد 6 الجاري أثناء لقائه وجهاء الكرك والذي اكد فيه أن الأردن خط أحمر ضد الإرهاب والتطرف ولا مكان للإرهابيين فيه هو عنوان المرحلة ومنارة المستقبل، وتهديدات البغدادي زعيم عصابات داعش المجرمة المتكررة للأردن نأخذها بمحمل الجد وندعو لكي تمضي حكوماتنا الرشيدة في نشر المعامل والمصانع والمؤسسات المنتجة المحاصرة الفقر والبطالة والتخفيف من نسبها المئوية ومن نسبة المديونية العامة للدولة ونفقاتها ومحاضرة لدولة طاهر المصري في النادي السياسي قبل أيام نادت بهذا الاتجاه، والمجتمع المنتج بالمناسبة يفرز برلماناً حضارياً ديمقراطياً وحكومة تكنوقراطية فاعلة، والأجيال القادمة لا ترحم وتطمح لوطن معافى، وأملنا كبير بأن تفوز ثورة العرب الكبرى ومشروعها الوحدوي على مشروع معاهدة سايكس – بيكو رغم زمن الانطلاقة الواحدة 1916، وستبقى الوحدة لكل العرب هي المطلب، وسنواصل اعتبار التقسيم مؤامرة خارجية خبيثة مرفوضة، والإرهاب الذي انطلق في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي بهدف التخريب والتدمير وسرقة النفط والغاز والذهب والآثار ونحر الإنسان وحرقه وقطع رأسه لا علاقة له بموضوع تحرير فلسطين التي هي أيضاً وأهلها بريئة منه وقادرة بالحكمة والسياسة والمقاومة النظيفة على دحر المحتل الإسرائيلي إلى ما بعد الحدود.
وفي المقابل فإن الإرهاب الأسود الذي ينتشر اليوم في دولنا العربية والأجنبية كذلك على شكل خلايا نائمة ومتحركة ومفاجئة كانت شعوب العالم تواجهه في عمق العالم وكان يتحرك بهيئة دول وإمبراطوريات، ومثلي هنا مشروع أدولف هتلر النازي الذي استهدف بلاد السوفييت في الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945، وتم دحره ومشروعه الاحتلالي التوسعي بعد تقديم (27) مليون شهيد، وكل دولة شاركت في الحرب تلك بهدف دحر الإرهاب النازي قدمت قافلة من الشهداء وبالأرقام الكبيرة وتم إنشاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن من الدول المنتصرة في الحرب مثل (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والمملكة المتحدة وفرنسا)، وهنا في تاريخ عالمنا العربي لنا امثلة حية على ثورة الجزائر عام 1954 ضد إرهاب الاستعمار الفرنسي الذي مارس الاحتلال منذ عام 1930 على أرضهم وقدم الجزائريون من أجل تحرير بلادهم مليون ونصف المليون شهيد وكان لهم الاستقلال عام 1962، وها هي فلسطين الشقيقة في جوارنا الأردني تواصل النضال ضد الإرهاب الإسرائيلي وتقدم قوافل من الشهداء عبر التاريخ المعاصر ففي عام 1948 استشهد منهم قرابة الـ(16) ألف، وفي انتفاضة الأقصى المباركة لوحدها استشهد منهم (6600) إنسان، وفي صبرا وشاتيلا ما يقارب (3500) شهيد، وفي غزة عام 2008، حوالي (1200) شهيد وهكذا دواليك عبر التاريخ المعاصر، وللفلسطينيين في حرق طفلهم الشهيد محمد أبوخضير عبرة، ولنا هنا في الأردن في حرق طيارنا البطل الشهيد معاذ الكساسبة على يد عصابات ومرتزقة داعش المجرمة عبرة أيضاً بأن للإرهاب وجه واحد.
وفي الختام ستبقى هذه المرحلة الزمنية التي نعيشها الآن هي الأصعب في مواجهة الإرهاب الشرس، وسنبقى بأمس الحاجة أيضاً لخطاب إعلامي هادف محاور يخاطب عقول الشباب وأجياله المتجددة دوماً، والجهد الروسي والأمريكي والأوروبي والسياسي والعسكري لا نعتبره استعماراً ولقد ساهم بقوة في تدمير غالبية البنية التحتية للإرهاب.