الإفراج عن "الأسرى الأربعة" .. استحقاق رمزي ومعنوي
د. محمد أبو رمان
21-07-2008 03:00 AM
أليس من الغرابة الشديدة أن تنتظر الحكومة مطالبات أهالي الأسرى الأربعة (الذين نقلوا من المعتقلات الإسرائيلية إلى السجون الأردنية باتفاق بين الحكومة واسرائيل) للإفراج الفوري عنهم، أو تتخذ موقفاً ضعيفاً ومهزوزاً أمام "اللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين في سجون الاحتلال"، وكأنّها -أي الحكومة- تقف على الطرف الآخر من المعادلة!الاعتبارات الرمزية والسياسية الوطنية تقتضي من الحكومة أن تسارع هي للإفراج عن الأسرى الأربعة فوراً، وفق ما نُقلَ بأنّ اتفاقية التسليم تتضمن بنداً يسمح للحكومة بالإفراج عنهم إذا أفرجت إسرائيل عن أي أسير تنطبق عليه نفس حالة الأسرى الأردنيين. أو على الأقل كان على الحكومة مخاطبة إسرائيل بصورة فورية وإبلاغها بالتحلل من ذلك الشرط، بعد إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين.
حتى لو لم تتفق القراءة القانونية للحكومة لاتفاق الإفراج عن الأسرى مع رأي اللجنة الوطنية فإنّ السياق السياسي الحالي يفتح للحكومة باباً واسعاً أمام اتخاذ خطوة جريئة بإطلاق الأسرى أو الضغط على إسرائيل للتحلل من الالتزام الأردني بالمدة المذكورة، بخاصة أنّ ما تبقى منها هي مجرد أسابيع معدودة.
قضية الأسرى، مرة أخرى، تضعنا أمام معضلة واضحة في السنوات الأخيرة تتمثل بتفنن الحكومة في خسارة المعارك الإعلامية والسياسية، بحيث تضيع في تفاصيل صغيرة وترتبك في التعامل مع قضايا وتخسر فيها إعلامياً وسياسياً مع أنّها بإمكانها بسهولة تحقيق انتصار رمزي ومعنوي بكلفة قليلة جداً.
الأخطر من ذلك؛ أنّ الحكومة وصنّاع القرار لا يتنبهون إلى "الصورة الإعلامية" المتدهورة عن الأردن لدى الرأي العام العربي، بل وللأسف لدى شرائح واسعة من الرأي العام الأردني. على الرغم أنّ هذه الصورة باتت تضرب بقوة سمعة الدولة وهيبتها في الخارج، وتؤثر على معنويات المواطنين وتخلق فجوات واسعة تتيح التسلل منها بين الدولة والرأي العام المحلي.
لا نريد أن نعود إلى أمثلة واضحة وهائلة على أخطاء استراتيجية وتكتيكية تقع فيها الحكومة في معاركها السياسية والإعلامية، لكن قضية هؤلاء الأسرى أنفسهم تبرز مدى التخبط منذ توقيع الاتفاقية إلى اليوم، فبدلاً أن تسجل القضية للحكومة باعتبارها نجاحاً سياسياً ودبلوماسياً سُجّلت ضد الحكومة باعتبارها تنازلاً أمام اسرائيل.
كان بالإمكان تسجيل نقاط عديدة كترتيب وضع خاص ومتميز للأسرى الأربعة في السجن منذ البداية وقبل بدء الاحتجاجات من الأهالي والمجتمع المدني، وكان هنالك فرصة لاختيار شروط جيدة إعلامياً للتعامل معهم، ولم يكن هنالك مانع من استقبال شعبي متميز بغطاء رسمي ضمني يُظهر احترام الدولة لمواطنيها، مهما كان الاختلاف في وجهات النظر السياسية، لكن ما حدث هو العكس تماماً، وأصبحت هذه القضية عبئاً على الحكومة لا نصراً لها.
بالعودة إلى قضية الإفراج عن الأسرى الأربعة؛ فهي باتت ملحة على المستوى الرمزي، بخاصة والمواطن الأردني يرى بأم عينه احتفالات حزب الله بعودة سمير القنطار ومجموعته، ويقارن ذلك بعودة الأسرى الأردنيين الأربعة، وقد راهنت الحكومة هنا على السلام وعلى المفاوضات وعلى الخط الاستراتيجي الحالي، بينما على الطرف الآخر تمكن حزب الله من تحقيق انتصار رمزي ومعنوي كبير، في قضية الأسرى.
كان الأولى أن تقوم الحكومة بمبادرة سريعة للإفراج عن الأسرى وتحقيق اختراق في الموقف، لا أن تبدو وكأنها نالت صفعة على الوجه، وكأنّها بالفعل مهزومة، فيما بدا الإعلام الرسمي في حالة من التغطية المتواضعة للإفراج عن الأسرى اللبنانيين، وكأنه خجل من السياسة الرسمية الأردنية.
"الصورة الإعلامية" بلا شك ليست وليدة الفراغ، وهي تعكس بدرجة كبيرة السياسات الرسمية، لكننا لا نكتفي بخسارة على المستوى السياسي استراتيجياً وتكتكياً، وإنما نتقن خسارة "الصورة الإعلامية" وبناء انطباع سلبي وغير صحيح عن وطن يكافح، وله ميزات كبيرة على العديد من الدول التي يتغنى بها الإعلام العربي!
مرة أخرى؛ المشكلة قد لا تكون بالخيارات الاستراتيجية الأردنية على المستوى الخارجي، بل في الأدوات والتكتيكات واهمال المساحات الشاسعة التي يمكن العمل بها، وعدم إدراك التحولات الإقليمية والدولية بسرعة لإجراء ولو جراحة تجميلية على المسار العام، أو على الأقل الاهتمام بـ"الصورة الإعلامية".
m.aburumman@alghad.jo