كتبت في المقالة السابقة, اطلبوا العلم ولو في الصين, واطلعنا كيف تقدمت الصين والهند واصبحتا من الدول العظمى,وهنا نريد ان نطلعكم على التجربة اليابانية.
تبلغ مساحة اليابان 378000كم2وعدد سكانها 128مليون نسمة.
تحتل المناطق الجبلية 70%من مساحة الارض الكلية وتتركز المدن في السهول المتبقية التي تشكل اقل من 30%
من المساحة.
اليابان معناها مصدر الشمس او مشرقها، وهي بلد تقع في شرق آسيا، بين المحيط الهادي وبحر اليابان وشبه الجزيرة الكورية.
تتكون اليابان من 3000 جزيرة ولكن الجزر الرئيسية عددها 4وتصل المسافة بين شمالها وجنوبها حوالي 3000كم
تعتبر اليابان من الناحية الاقتصادية واحدة من أكثر الدول تقدما في العالم.
تتمتع العلامات التجارية اليابانية مثل تويوتا وسوني وفوجي فلم وباناسونك ومتسوبيشي وماروبيني وموتسوي وغيرها بشهرة عالمية.
يعد التصنيع احدى ركائز القوة الاقتصادية اليابانية ,مع العلم ان اليابان تمتلك القليل من الموارد الطبيعية ,لكنها تعتمد على استيراد المواد الخام من الخارج,وتحويلها الى منتجات تباع محليا او يتم تصديرها للخارج ,ويعد علم استخدام الانسان الآلي احد اهم المجالات الواعدة للنمو الاقتصادي المستقبلي,والذي تتفوق به التكنولوجيا اليابانية على باقي دول العالم,حيث تمتلك اليابان لوحدها قرابة 2500روبت من اصل 4200 روبت في العالم كله.
يعتبر الارز المنتج الزراعي الرئيسي في اليابان ومعظم الكميات المستهلكة في اليابان من الانتاج المحلي ,ولكنها لا تستطيع زراعة ما تحتاجة من مواد غذائية اخرى لشح الاراضي الزراعية ,مع العلم ان الحدائق اليابانية يضرب بها المثل عالميا.
يوجد بها ثروة سمكية كبيرة لاحاطتها بتيارات دافئة من البحار حولها.
تمر بها العواصف والزلازل ولكنهم يحتاطون لذلك.
يعتمدون على الاستيراد لبقية المواد الغذائية أيضا.
يعتبر نظام النقل من الانظمة المتطورة بدرجة كبيرة ,سواء أكانت السكك الحديدية بانواعها المختلفة او الطرق او النقل البري او البحري او الجوي.
يقوم ملايين اليابانببن باستخدام القطارات كل يوم بالذهاب للعمل او الدراسة وتشتهر بالدقة والنظافة.
التجربة اليابانية في التعليم:
استطاعت هذه التجربة ان تنقل دولة حطمتها الحرب العالمية الثانية ,الى دولة رائدة في العلوم والتكنولوجيا خلال بضع سنوات.
خلاصة هذه التجربة هي مزيج بين القيم الحاكمة للمجتمع,والامكانات المادية والمبادئ الحاكمة للعملية التعليمية ,والتي في مقدمتها الاهتمام بالتعليم الابتدائي,ومن الامثلة على ذلك:
الطلبة في الصباح يتجمعون ثم في الخمس دقائق الاولى يبدأطابور بجمع القمامة والاوراق المتساقطة من الشجرويلقونها في حاويات القمامة,كما يقوم مدير المدرسة بنفسه بتنظيف الساحات وباطلاع الطلبة ليشجعهم ويعلمهم النظافة.
يقوم المعلم بتشجيع الطلبة على ابداء الرأي والحوار وتنظيم الاسئلة والرد عليها دون خوف من اي سؤال ليرفع الثقة بالنفس ويبعدهم عن الخوف ويقوي الشخصية وينميها,ويعلمهم معنى العمل واهمية الانتاج والمشاركة وتقدير واهمية الوقت والالتزام بالمواعيد والعمل الجماعي.هذا كله مركز عليه بالمناهج التي تركز على العمل وحب الوطن.
تبني سياسة تعليمية وتثقيفية ناجحة منذ الصغر (العلم في الصغر كالنقش في الحجر )هي التي تخلق اجيالا نافعين ومنتمين وتبني الاوطان باساس قوي.
لكن اليابان التي ادهشت العالم بعد ان خرجت من الحرب العالمية الثانية وهي في حالة دمار كامل,بعد ان القت عليها الولايات المتحدة عام1945قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما ونجازاكي مما قتل 200الف مواطن وشلت وجرحت العديد ودمرت مدنا بكاملها.
لكنها استطاعت ان تعيد بناء نفسها وتنهض من جديد بفترة قياسية وتسبق العالم.
ان السر في ذلك يعود الى تبنيها سياسة تعليمية ,دفعت بها لمصاف الدول المتقدمة ,يضاف الى ذلك تقديس المواطن الياباني للعمل والانتاج والفكر الخلاق ,وكلها عوامل حققت الطفرة الهائلة في الانتاج وجودته.
يتعلم الاطفال في المدارس ويقولون :
هكذا الميكادو قد علمنا ان نرى الاوطان اما وابا
هم يتعلمون الايمان والولاء للوطن والعمل بحماس جارف من اجل نهضة وطنهم ,واصبحوا على استعداد للتضحية من اجل ما هو مطلوب منهم.
بعد الحرب العالمية الثانية ,أرسل اليابانيون الوفود الى كل الدول المتقدمة وخاصة المانيا وفرنسا للاطلاع على تجاربهم الصناعية والتكنولوجية والفنية ليقتبسوا منها وتصبح ركيزة ونواة لصناعتها الحديثة.
كان العديدون منهم يجوبون شوارع باريس ويقومون بتصوير ما يحلو لهم ,لتطبيق الفن والمعمار في بلادهم.
اصبح الانتماء اساسا لديهم ,حتى الذين يعملون في الشركات لا يتركونها ويشجعون ابناءهم للعمل ايضا بها لدعمها والاستمرار بتقدمها.
ان طريقة العمل لديهم والقرارات التي تؤخذ قرارات جماعية ,وقرارات الطاولة المستديرة,ولا يبدأون بتنفيذ اي مشروع الا اذا تكاملت دراسته من جميع النواحي وتغطية جميع المطاليب ولا يتركوا شيئا للتعديل بعد بداية التنفيذ.
اصبحت اليابان من اكبر الدول الراسمالية المتقدمة,وهي عملاق اقتصادي كبير وتعتبر رابع اقوى اقتصاد على مستوى العالم.
ان دخل الفرد بها من اعلى النسب ,حجم البطالة ضئيل,والامية 1% بسبب الطفرة الهائلة في التعليم الحديث. أما على مستوى النظام والخدمات العامة التي تقدمها لمواطنيها فقد لا تضاهيها دول كبيرة اخرى,ونفس الانجاز ينطبق على الجانب السياسي ,تاخذ بالديموقراطية البرلمانية, بينما موقع الامبراطور بها شرفي.
التعليم باليابان لا يقوم على التلقين ,ويساعد على اقامة العقل لا الغائه.
النهضة التعليمية تقوم على الانضباط في التربية واطلاق حرية التعبير والابداع للمواهب على كافة مستويات التعليم لتدعيم مبدأ الاختراع والتطوير
.تعلموا ان الثروة هي ثروة العقول وان افضل وسائل التنمية هي التنمية البشرية.
في نهاية عام 1983عندما كنت مديرا عاما لمؤسسة اعمار العاصمة ,ذهبت بدعوة رسمية لزيارة اليابان ,وفي احد الجلسات تم النقاش بيني وبين بعض المسؤولين اليابانيين وبحضور السفير الاردني انذاك المرحوم سعد البطاينة,وقالوا ما هي اولوياتكم في الاردن وماذا تحتاجون
لما كنت قد اطلعت على وسائط النقل المتطورة في اليابان والقطار السريع والمواصلا ت العامة والتيرمنلات وغيرها واعجبت بتقدمهم فقد قلت لهم :
يوجد لدينا مشكلة نقل عام , حيث ياتي العدد الوفيرمن العمال من الرصيفة والزرقاء ليعملوا في العاصمة عمان ,كما يأتي طلبة للتوجة للدراسة في الجامعة الاردنية واليرموك والعلوم والتكنولوجيا وكذلك يتوجه المسافرون والمودعون والمستقبلون لمطار الملكة علياء باستخدام التكسيات والسيارات الخاصة.
طلبت منهم ان يعطونا عرضا مبدئيا لانشاء قطار مونوريل يعمل بالكهرومغناطيس ولا يوجد اي تلوث من استعمال المحروقات,ويسير من الزرقاء لعمان للجامعة الاردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا ومطار الملكة علياء.
غابوا اسبوعا وتدارسوا الموضوع وقالوا انهم على استعداد لتنفيذ المشروع على طريقة ان يقوموا بتنفيذه وتشغيله واستغلال دخله لمدة عشرين عاما
وبتكلفة اولية 6ملايين دينارا ولا يتقاضون اية دفعة اولية وياخذون 80% من الدخل ويعطوا الحكومة 20% من الدخل السنوي وبعد عشرين عاما يتركوا المشروع كاملا للدولة
عرضت المشروع آنذاك على المسؤولين الذين رفضوا الفكرة دون ابداء الاسباب.
علما بانه طرح عطاء القطار الخفيف بين عمان والزرقاء قبل عامين وقدرت تكاليفه بمائة مليون دينار ولكنه لم ينفذ بعد.
كما طلبت من اليابانيين ان يقدموا لنا عرضا لانشاء تيرمنال محطة لنقل الركاب في حدائق الملك عبدالله منها و لمطار الملكة علياء ويكون بالتشارك بيننا وبين الملكية الاردنية واليابانيين
لم تنفذ الفكرة وقامت الملكية بتنفيذها لوحدها في الدوار السابع على طريق المطار.
ان السبب الرئيسي لتقدم اليابان هذا التقدم الكبير هو التعليم في الصغرووضع المناهج والاسس التي تعلمهم الانتماء وحب العمل والانتاج والمحافظة على النوعية.
اهمية التعليم في حياة المجتمعات باعتباره السبيل الوحيد لاحداث التطور الحضاري والاقتصادي والثقافي والاجتماعي ,فهويمثل احد اهم مؤشرات التنمية البشرية
اليابانيون يحترمون ويطبقون القوانين تطبيقا صارما ,بعدالة ومساواة ولا يحمون الفساد والخطأ ويطبقون القوانين على الكبار قبل الصغار لحماية المصلحة العامة,ويفرض احتراما جادا وحقيقيا لقيمة وكرامة الانسان.
كما انهم يشجعون نظام الاستثمار في بلادهم ,ويضعون القوانين اللائقة لحماية المستثمر وتشجيعه على البقاء والاستمرار.
لهذا فهل يمكننا الاستفادة من التجربة اليابانية لتطبيقها في بلادنا لننهض ونزيل جميع العقبات ونصبح في مصاف الدول المتقدمة ؟
قال عمر الخيام في رباعياته:
صاحب من الناس كبار العقول.... وجانب الجهال أهل الفضول ,واشرب نقيع السم من عاقل ,واسكب على الارض دواء الجهول.
يقول ابو الطيب المتنبي:
لكل داء دواء يستطاب به الا الحماقة اعيت من يداويها
dr.sami.alrashid@gmail.com