كثيراً ما كان يصف البعض الأردنيين القادمين من فلسطين بأنهم بلاجكة، وحين سألت الصديق إياد سمرين عن سر ذلك، قال إن أول من أرسل الخيم للاجئين في الأردن بعد نكبة 48، هم البلجيكيون وكذلك أرسلوا المواد التموينية، شعوراً منهم مع الفلسطينيين. وهم أدرى بمعنى اللجوء بعد أن أذاقهم هتلر ويلات الحرب واللجوء إلى فرنسا.
ما الذي فعلته بلجيكا حتى يقوم داعش بتفجير عاصمتها بروكسل وقتل المدنيين فيها؟، ألم يقدم خدمة مجانية للعدو الصهيوني. بينما بلجيكا تقود حملة أوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية ومقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية.
القصة خلاصتها تبدو في تصريحات وزير العلوم والتكنولوجيا والفضاء في "دولة الاحتلال" اوفير اكونيس، حيث نقلت عنه الوكالة الفرنسية للأنباء اتهامه لأوروبا عقب الاعتداءات مباشرة، بتجاهل الخطر الذي تشكله "الخلايا الارهابية الاسلامية" على أراضيها، مفضلة انتقاد اسرائيل بدلا من ذلك، بعد اعتداءات في مترو ومطار بروكسل أدت إلى سقوط 34 قتيلا ونحو مئتي جريح.
أكونيس المنحدر من حزب الليكود اليميني الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو قال على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك وكأنما يشمت ببلجيكا: "سأكرر: فضل الكثيرون في أوروبا أن يشغلوا أنفسهم بحماقة ادانة اسرائيل، ووضع ملصقات على المنتجات والمقاطعة وفي الوقت نفسه، وعلى مرأى ومسمع مواطني القارة، نمت الاف الخلايا الارهابية الاسلامية. وكان هناك من قمع وسخر من كل من حاول توجيه تحذيرات. وآخرون قللوا من شأنها".
ثمة أشياء لا يحتاج المرئ لإيجاد المبررات والأسباب للاقتناع بها أو نفيها، فهي واضحة تماماً، ولمن أراد التعرف على مبررات الاعتداء وهدفه وآثاره على المنطقة، فإن الجواب أكثر وضوحاً، فالاعتداءات ستكون انعكاساتها كارثية على شعوب المنطقة بخاصة المهاجرين، فما حصل في المطار ببروكسل المفترض متانة المنظومة الأمنية فيه، وإيقاعه 34 قتيلاً، سيكون وقعه أشد من اعتداءات 11 أيلول التي راح ضحيتها الآلاف، فبلجيكا قلب أوروبا وهي عاصمة الاتحاد الأوربي ومقر حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتبدو الحاجة لقلب التعاطف الأوروبي مع الفلسطينيين والمهاجرين، ملحة لإسرائيل.للعودة إلى المربع الأول، تماماً كما عادت العراق وسوريا وليبيا إلى المربع الأول، فما الفرق بين ما عاشته الأجيال في 1930 وما نعيشه الآن، ألم تكن تلك الدول تعاني الويلات من الاحتلال الفرنسي والبريطاني والايطالي.ما الذي اختلف الآن؟
يبدو أن الأيام المقبلة، لن تكون أقل تعاسة مما عاشه جيلنا، الذي ولد على صوت الرصاص، وقدر هذه الأمة أن تتبتلى بأبنائها، بينما عدوها يتسمر على وقع اقتتالها وتحارب أبنائها وتمزقهم، ويبدو حقاً أن البنادق حين توجه في غير محلها، تكون الحرب الحقيقة لم تبدأ بعد. وما هي إلا صراعات هابيل وقابيل.