الطقس خانق في بيروت, الحر والرطوبة وازدحام السير الشديد المنهك, والمفاجأة أنك لا تجد غرفة فارغة في فندق. في الربيع الماضي حين كان طقس بيروت ممتعا, كانت فنادقها فارغة. ولذلك, أخطأت ولم أحجز لنومي, وانا غاضب منزعج والعلمانيون غاضبون لأنهم, مرة أخرى, يجدون أنفسهم مستبعدين من وليمة المصالحة اللبنانية, فبينما دعيت حتى نائلة معوّض - التي تشمئز من العرب والمقاومة - إلى الحفل الرسمي في مطار بيروت لاستقبال الأسير المحرر سمير القنطار ورفاقه, لم يدع أحد الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني, خالد حداده, فثارت ثائرة الحزب الذي سجل عددا من الشهداء والأسرى في المقاومة, في المرتبة التي تلي حزب الله مباشرة. الرئيس ميشال سليمان, حل المشكلة, حين اتصل بحداده ودعاه شخصيا لحضور حفل المطار. لكن الإحباط استمر, فسمير القنطار الذي انتقل, في سجنه الطويل, من المنظمات الفلسطينية إلى الشيوعيين, خرج من السجن إسلاميا, وقدم طلب انتساب لحزب الله !
قلت إنني أتفهم ما حصل. فالحزب الشيوعي نأى بنفسه عن المعارضة - وبالطبع عن الموالاة - ومن الطبيعي أنه لن يكون لمن لا يشارك في المعركة, حصة في النتائج. تقولون إنها معركة "طائفية" أو قذرة" . ربما تكون كذلك, ولكن لا تطالبوا, إذن, بالشراكة مع أطراف معركة كهذه! أما سمير القنطار, فأنا أفضّل أن يصبح, وهو الدرزي العلماني, قياديا في حزب الله على أن ينتهي إلى مراسل تلفزيوني مثلما انتهى الأسير المحرر أنور ياسين.
أجواء اليساريين الغاضبة تعكس أجواء التيارات والأوساط العلمانية الديمقراطية في لبنان. لقد انتهت معركة صعبة للغاية, دفع اللبنانيون ثمنها الباهظ من دون تغيير اجتماعي - سياسي, بل بتغيير موازين القوى لصالح طرف طائفي ضد طرف طائفي آخر. وفجأة أصبح محازبو حزب الله متوترين إزاء الأعلام الحمراء والهتافات اليسارية والعلمانية والتقدمية . وهذا هو شأن السلطات القومية والدينية والطائفية في كل مكان من جمال عبد الناصر إلى حزب البعث إلى حزب الله التي ترى قائده حسن نصر الله المتسامح التحرري في واد وبنية حزبه الطائفية في واد آخر.
"لكن السوريين القوميين الاجتماعيين حاضرون ?" وتأتي الإجابة سريعة, وكأنه متفق عليها " هؤلاء حصة دمشق ". غير أنه علي أن أذكّر القراء بأن هؤلاء قاتلوا, كتفا إلى كتف, في معركة المعارضة الداخلية . و صحيح أن تمثيلهم جاء على مقعد طائفي - من حصة حزب الله - وبممثل شيعي الطائفة, لكن الحزب السوري القومي الاجتماعي موجود فعلا على الأرض. ويظل حزبا علمانيا.
تقدمي لبناني معروف كان محبطا للغاية من أنه " لا مهرب لك من النظر إليك باعتبارك عضوا في طائفة " أما مرافقو الشاب فقد لاحظوا, ببساطة, أن " مرحلة حزب الله قد بدأت في حفل المطار" . قال لي " هؤلاء كلهم يقصد السياسيين اللبنانيين جاءوا لاستقبال القنطار, لكي يُعربوا عن الطاعة, وعن قبولهم بقواعد اللعبة الجديدة " .
في الانتخابات النيابية المقبلة, وفق قانون الأقضية, سوف يحقق تحالف حزب الله -أمل - التيار الوطني الحر, غالبية نيابية تؤهله لصياغة الحكومة المقبلة وسياساتها. وكان نصر الله قد وضع خطوطا لهذه السياسات تقوم على المساكنة بين أنموذج البزنس وأنموذج المقاومة . وهي, في رايي, مساكنة لا تصمد في حال انتهت التطورات إلى تصعيد مع " إسرائيل", أما إذا انتهت المفاوضات على المسار السوري إلى حل . فهل يمكن أن تبقى المقاومة بشكلها الحالي, أي كطرف سياسي مستقل? ليس ذلك ممكنا بالطبع. وفي هذه الحالة ماذا سيكون مستقبل هذا الحزب ودوره في الحياة الداخلية? سؤال مزعج لا يرغب أحد الآن, على الأقل, في طرحه.
لكن السؤال المطروح هو حول صمود المصالحة والأمن الداخلي? شخصية لبنانية مقربة من الكواليس العليا في السياسة اللبنانية, قالت ل¯ "العرب اليوم " إن " المصالحة باقية . لقد انتهى الصراع الداخلي. لكن الأمن مسالة أخرى. فلبنان يشهد تهديدا جديا من حركة سلفية جهادية صاعدة مدعومة إقليميا, لكن اصبح لها الآن حياة وآليات خاصة بها. وهذه الحركة خارج عملية المصالحة ".
العرب اليوم.