هذا الإعلام الاردني المالىء الدنيا وشاغل الناس له اكثر من قصة، لكن الاساس هو انه اعلام قائم على الفهلوة وغير قائم على المهنية!!.سأزعم ان الإعلام القوي لا يتوقف كثيراً عند الحرية، فالإعلام الناصري اكتسح الشارع العربي في الخمسينيات وما زال مجلس قيادة الثورة كله بلباسه العسكري، وفي زمن حل الاحزاب ومصادرة الصحف وتأميمها.

في بلدنا سبق الإعلام الرسمي ؟ وخاصة الاذاعة ؟ الصحافة، التي اختارت ان تبقى حبيسة الصفحات الاربع، وان تتعامل بالمسؤوليات الفكرية بالوقوف على الرصيف.. ولا مجال الان لبحث الاسباب، وحين قامت الحكومة بتنظيم المؤسسات الصحفية، ودفعها للخروج من القمقم داهمت حرب حزيران المسعى الحكومي.. وبقيت الدستور وحدها الى حد ان المواطن كان يشتري جريدة.. وبعد السبعين صدرت الرأي لكنها لم تشكل اضافة الى الجريدة.. حتى اصبحت اهلية ؟ غير حكومية ؟ وتولى ادارتها وتحريرها فرسان حقيقيون هم جمعة حماد ومحمد العمد وسليمان عرار ومحمود الكابد. ولعليّ من الذين واكبوا تلك المرحلة، وكنت مدير ادارة الدستور واكتب افتتاحية الرأي لأشهر قليلة!!.

إعلام الدولة كان الاذاعة حتى عام 1968، حين بدأ التلفزيون الاردني، ولسنوات كانت الاذاعة جواد الإعلام حتى وقعت على أنفها!! ولعلي من الذين واكبوا نهوض الاذاعة فقد كنت فيها منذ 15/5/1959 وغادرتها وعدت اليها عام 1975. واستطيع ان اكتب مجلدات عن اسباب نهوضها واسباب وقوعها لكن ذلك لا يتم بهذه العجالة.

الخلاصة: ان الدولة حافظت على صحيفتين واحياناً ثلاث، وسمحت بتجارب صحفية اسبوعية غير مكتملة. وكانت الحكومات مرتاحة الى التعامل مع نادي اصحاب الصحف وكان منهم وزراء. وحافظت على وزارة إعلام لم تكن سياسية، ولم تكن مهنية، وكانت بعيدة عن ان تكون مؤسسة فكرية. وكان اول وزراء الاعلام استاذ إعلام، ولم يحدث في زمن توزيره ان حاسب صحيفة او عقد اجتماعاً دورياً او تدخل فيما يكتب وما لا يكتب! لكن عهد صلاح ابو زيد في الاعلام لم يكن طويلا!!.

الحد الفاصل في الصحافة كان عام 1989، عام عودة مجلس الامة، وحريات الاحزاب والصحافة. وكالعادة فشلت الاحزاب في صنع صحف حزبية، ونجحت اليوميات في استيعاب المرحلة فسمنت الصحيفتان الاساس، ونشأت صحيفتان وهبط على السوق اسبوعيات كثيرة. وكانت كل المؤشرات تؤكد ضياع الموقف الحكومي:.

- فهي تريد ان تقونن الحريات الصحفية فصنعت خمسة قوانين مؤقتة اسقطت المحكمة العليا احدها.

- وهي تريد ان تهرب من مسؤوليات مؤسساتها الاعلامية الفاشلة، فالغت وزارة الاعلام واستبدلتها بوزارات إعلام، بعضها اسمه مجلس ادارة، ومجلس إعلام!!.

.. حتى الآن، لا تعرف الدولة ما الذي تريده من الإعلام.. من الصحافة ومن اجهزتها، ولذلك تلعب بالكلام الكبير وإعلام الدولة لا إعلام الحكومات!! وميثاق اخلاقي للمهنة، وكل هذا الذي سمعناه ونسمعه. والهدف واحد، فيما اذا اردنا ان ننظم الصحافة والإعلام الاردني. الهدف واحد: ما الذي نريده من الإعلام؟ أي إعلام نريد؟ أي اردن نريد؟! فمن المفروض ان نخاطب جميعاً في الصحافة والاذاعة والتلفزيون جهة واحدة هي: المواطن الاردني!.
عن الراي.