بدهية معروفة، وهي أن البدايات تقود إلى النهايات، والمدخلات تؤشر مبكرا على المخرجات، ومن حفظ هذه المعادلة، سلم من كل تيه، وقاد نفسه بنفسه نحو بر الأمان، بعيدا عن الحيرة وعن الوقوع في خطأ التحليل .
لذلك فإن اعتبار العربية السعودية ومعها دول الخليج العربية، حزب الله اللبناني المؤيد لإيران، تنظيميا إرهابيا، وفي هذه المرحلة الحرجة بالذات، جاء غير مكلف، وبتعبير أدق صيدا سهلا، وها هو عربيا وإسلاميا يمر مرور الكرام، إلا من إعتراضات غير مشفوعة بالمنطق، علما أن حزب الله وتحديدا في مواجهته الطويلة التي إستمرت34 يوما مع الجيش الإسرائيلي، أمطر المدن الإسرائيلية في فلسطين المحتلة بالصواريخ، وقام بإغراق السفينة الحربية التي كانت تقصف اللبنانيين من عرض البحر "ساعر 5 " بالصواريخ بثا مباشرا، ونال إعجاب الجميع، وإعتبرته جامعة الدول العربية تنظيما مقاوما .
لكن التحولات الدراماتيكية التي حدثت منذ تلك الحرب حتى يومنا هذا، غيرت نظرة الغالبية إلى حزب الله وزعيمه الشيخ حسن نصر الله، الذي وثق بتصريحاته الإسرائيليون أكثر من ثقتهم بتصريحات قادتهم، ناهيك عن السمعة الطيبة التي كان يتمتع بها هذ الحزب الذي أجبر مستدمرة إسرائيل على الإنسحاب من جانب واحد من جنوب لبنان، مع البقاء في مزارع شبعا، وهناك من يقول أن ذلك الإنسحاب كان خدعة إسرائيلية لتوريط حزب الله وسوريا .
حدثت مواجهة قوية عام 2000 بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، وكان لزاما على أمريكا وإسرائيل ومن لف لفيفهما وضع حد لهذه الظاهرة المقلقة التي جاءت بعد إخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان غدرا وحيلة أواخر العام 1982، وأوعزت امريكا للمستدمرة إسرائيل للإعداد لهجوم جديد ضد حزب الله، بعد فشل محاوات أمريكا وحلفائها بنزع سلاح حزب الله .
إستغلت إسرائيل قيام حزب الله بأسر جنديين إسرائيليين في الجنوب عام 2006، وكان ذلك ذريعة قوية لغزو الجنوب و"سحق "حزب الله "، وقالت آنذاك وزيرة خارجية امريكا كونداليزا رايس أن " تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير قد بدأ "، لكن حزب الله كما هو معروف ألحق الهزيمة بالجيش الإسرائيلي.
دعيت في العام 2007 لحضور مؤتمر دولي لدعم المقاومة في بيروت، وتوجهت بمفردي إلى الضاحية الجنوبية كي ألقي نظرة على الواقع، وقد ذهلت من حجم الدمار الذي رأيته، ولأنني لم أر حتى شبحا واحدا لأي من مقاتلي حزب الله .
بعد إنتهاء المؤتمر جرى تكليف لجنة من العديد من المشاركين ومن ضمنهم أنا، لزيارة العلامة اللبناني الراحل الشيخ محمد حسن فضل الله المؤيد لحزب الله، وجرى نقاش موسع بيننا، وكم أذهلني ذلك الرجل واسع الصدر، المتفهم والعقلاني، الذي إستمع إلينا لساعتين أو أكثر دون إنفعال او تكبر، وخرجنا .
عند ذلك أجمع أعضاء الوفد وغالبيتهم من الأجانب، على تكليفي بإلقاء تصريحات إعلامية أمام ثلاثة مايكروفونات لم أكن أعرف وظيفتها، ولكنني وجدت نفسي مكلفا بمهمة، وعلي تأديتها بكل صدق .
لم تكن هناك ورقة مكتوبة، بل تحدثت عفويا ومن القلب والعقل معا، ودون آبه بالنتيجة ولم يدر بخلدي من سيكون مستمعا إلي، وقد علمت لا حقا أن الشيخ حسن نصر الله كان على الجانب الآخر يسمع ويرى وأنه اعجب بما قلت .
قلت مخاطبا الشيخ حسن نصر الله بأن حزب الله يقلد الأنظمة العربية، وأنه كمن ينام على السرير تاركا باب غرفة النوم مفتوحا، ليأتيه الذئب ويأكله وهو نائم، وفسرت الكلام بطبيعة الحال أن على حزب الله ألا يكتفي بنصر تموز 2006، بل عليه العمل الجاد والمتواصل على الأرض في المواجهى لمراكمة النصر، لأن المقاومة هي فعل مستمر على أرض الواقع .
ونحن خارجون ونسير في الممر، صادفنا وفد أجنبي أشقر، تقوده إمرأة خاصمها الجمال، وكان حراس مكتب الشيخ فضل الله والعاملون فيه مهتمين بذلك الوفد، وعندما سألت احدهم من تكون تلك المرأة أجابوني بأنها السفيرة البريطانية، وأنها جاءت للقاء الشيخ فضل الله، وثارت في نفسي عديد الأسئلة منها كيف يتعامل الغرب معنا ومع قضايانا .
بعد اندلاع الأحداث في سوريا في إحدى مدارس درعا القريبة من الأردن، وتطورت الأمور بسبب تعنت الرئيس المودع بشار "....."، وجد حزب الله - الذي لم يواجه إسرائيل منذ العام 2006 رغم إعتداءات إسرائيل عليه وقيامها بإغتيال خيرة قياداته، وآخرهم الأسير المحرر سمير القنطار ومن قبله الإستراتيجي الحاج عماد مغنية، وأين ؟ في دمشقّ!!!- نفسه مضطرا للتدخل في سوريا دعما لنظام بشار والولوغ في دم الشعب السوري.
عند ذلك بدأ رصيد الحزب عربيا وإسلاميا يتآكل إلى أن أصبح مدينا، وظهر أن مصير الحزب ونظام بشار أصبح واحدا، إلى درجة أن أعداء الحزب في لبنان إستغلوا هذه النقطة ليكرسوا هجومهم عليه، وإتهامه بأنه ورط لبنان في شأن خارجي، دون أن يعلموا أن ما قام به حزب الله هو رد جميل لنظام بشار، الذي كان يسمح للمساعدات الإيرانية بالوصول إلى الحزب، بعد الجمركة المعروفة التي كان يمارسها نظام حافظ الأب مع المقاومة الفلسطينية في لبنان.
يقيني أن حزب الله تورط وقاد نفسه إلى المقصلة، ليس لذنب إرتكبه سوى أنه بدلا من مواجهة إسرائيل ، إتحد مع نظام بشار وأعطى الجميع مبرر الانقضاض عليه، ولا ندري ما يخبئه المستقبل لهذا الحزب .