المعلمة الأولى تحت الاحتلال
د.رحيل الغرايبة
21-03-2016 02:18 AM
استطاعت المعلمة «حنان الحروب» التي تدرّس في إحدى المدارس الفلسطينية في الضفة الغربية الفوز بجائزة أفضل معلمة في العالم التي تشرف على تنظيمها مؤسسة فاركي البريطانية، حيث تأهل إلى هذه المسابقة مجموعة من المعلمين المبدعين على مستوى العالم، ومن أبزرهم «ماريت روسي» من فنلندا التي استطاعت ابتكار طريقة جديدة وسهلة لتعليم الرياضيات، وكذلك المعلمة الأفغانية المشهورة التي هاجرت إلى باكستان وكرست وقتها لتعليم أطفال مخيمات اللاجئين الأفغان، والمعلم الأفريقي من كينيا الذي أبدع مشروعاً تعليمياً للأطفال في مواجهة العنف، والمعلم الاسترالي المبدع الذي استطاع أن ينشىء معملاً للأطفال في إحدى المدارس الابتدائية، وأيضاً المعلم الياباني الذي ابتكر مشروعاً تربوياً لتعليم الناشئة على منظومة قيم المواطنة، وهناك معلم أمريكي قدم مشروعاً رائداً حول تدريب الطلاب على ألعاب الانترنت، وتكنولوجيا الطائرة بدون طيار.
المعلمة حنان تقدمت بمشروع من وحي الواقع الحياتي والتربوي للشعب الفلسطنيي تحت الاحتلال «الإسرائيلي» الذي يصادر أرضهم وحقهم في العيش في وطنهم، ويغتال أحلامهم ويقتل رجالهم ونساءهم صباحاً ومساءً، ويحفر عميقاً في ذاكرة الأطفال الذين يولدون من رحم المعاناة، ويعيشون الصدمة العاطفية نتيجة فقدان الأب أو الأم أو الأخ، أو نتيجة تدمير منازلهم أمام أعين العالم، ولذلك رأت حنان أن تبتكر مشروعاً تربوياً رائداً لمعالجة آثار الصدمة لدى الأطفال، والتعليم من خلال اللعب لتجاوز هذه الحالة البائسة.
فوز «حنان الحروب» يستحق التقدير من عدة وجوه، وأعتقد أن الوجه الأبرز في عملية التقدير هذه أنها جاءت من أولئك الذين تشبثوا بأرضهم وعضوا عليها بالنواجذ، ورفعوا شعار صامدون يا شجر الزيتون، وباقون إلى آخر الزمان، مهما بلغت درجة المعاناة، ومهما وصلت غطرسة المحتل، ومهما كانت درجة الخذلان، لأنها تعلم يقيناً ما حك جلدك مثل ظفرك، وكان بقاء المتشبثين بأرضهم أكبر علامة من علامات النصر، وأقوى مؤشر على هزيمة الاحتلال مهما طال الزمن.
الوجه الثاني من وجوه التقدير أن المعلمة حنان لم تقف عند درجة الصبر وتجرع مرارة الاحتلال وفقدان الشهداء والأصدقاء بل تعدى إبداعها إلى تحفيز العقل والوجدان على تجاوز حالة الصدمة والاستعلاء على الجراحات، والقفز إلى مستوى البطولة في البحث عن أوراق القوة في عملية المواجهة مع أخطر أنواع الاحتلال وأشدها بشاعة التي تقوم على الاستيطان المصحوب باقتلاع السكان الحقيقين، والاتيان بالمهاجرين اليهود من كل أصقاع العالم ليحلوا محلّهم.
الوجه الثالث من وجوه التقدير يظهر في تفضيل أعلى مستويات النضال الحقيقي، بعيداً عن التبرير والشعارات الرنانة، واللعب بعواطف الناس، والذهاب إلى الجهاد الحقيقي ولو كان ثمنه باهظاً من خلال رفع المستوى المعنوي للجيل الجديد في النظر إلى الأسلوب الأكثر جدوى في مواجهة الاحتلال، ورحم الله الشهيد «أحمد ياسين» الذي تم الإفراج عنه بضغط من الراحل الملك الحسين، وعندما وصل الأردن للعلاج كان طلبه الوحيد أن يتم إرجاعه إلى وطنه في غزة تحت الاحتلال، من أجل أن يواصل جهاده الحقيقي والفاعل، كما يفرضه الفهم الصحيح الذي تمسك به.
فكل التقدير للمعلمة «حنان الحروب» وإلى كل القابضين على الجمر تحت الاحتلال الصهيوني الغاشم قولاً وعملاً وعقلاً ووجداناً.
الدستور