"عقيدة أوباما" .. بين المثالية والمراهقة السياسية
رجا طلب
20-03-2016 01:55 PM
غطى حدث الانسحاب العسكري الروسي من سوريا إلى حد كبير على "التصريحات" التي نقلها الصحافي جيفري غولدبرغ عن الرئيس أوباما في مجلة "ذا اتلانتك"، رغم أن ما قيل على لسان الرئيس الأميركي يعادل بتقديري حجم كارثة "قنبلة نووية صغيرة الحجم"، لما تضمنته من آراء وتحليلات واستنتاجات خطيرة أسماها غولدبرغ "عقيدة أوباما".
لم أتفاجأ بالسياق العام لتلك العقيدة وتحديداً ما يتعلق بوجهة نظر أوباما في إيران، والمرونة الكبيرة الذي بدأ يتعامل فيها مع تلك الدولة في فترة رئاسته الثانية، وهي المفترض أنها في نظر الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ إدارة كارتر حتى الإدارة الحالية هي "دولة مارقة وراعية للإرهاب"، لكن المفاجأة الحقيقة هي تلك الكراهية للمملكة العربية السعودية وتحميلها مسؤولية "صناعة الإرهاب" في افتراء واضح لا يليق برئيس لدولة عظمى يعي ويدرك ويعرف أسرار صناعة الإرهاب ودوره ودور الإدارات الأمريكية المتعاقبة في صناعته ورعايته من إدارة ريغان إلى بوش الأب والابن إلى إداراته، من حرب أفغانستان التي كانت "المصنع" الأول في اختراع الإرهاب تحت مسمى "المجاهدين العرب" الذين تحولوا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي إلى طالبان ثم إلى القاعدة ومن ثم داعش والنصرة.
في "عقيدة أوباما" برأ الرئيس الأمريكي إيران أيضاً من صناعة التناحر الطائفي من خلال اتهامه السعودية وتبنيها للمذهب الوهابي بالوقوف وراء هذا "الاحتقان الطائفي"، وفي "عقيدة أوباما" انتقد الرئيس الأمريكي كل حلفائه بما فيهم إسرائيل ولكنه وتعمد على ما يبدو أن لا يتعرض لإيران بأي شكل من الأشكال.
ما السر وراء هذا الموقف؟
حسب نظرية المؤامرة أو التفسيرات التي تعتمد الشك والتشكيك دون التمحيص على غرار "ظاهرة عبد الله ابن سبأ" في الثقافة العربية _ الإسلامية والذي اتُهم من قبل الأمويين تحديداً في التحريض على عثمان بن عفان وقتله والذي لم يثبت في الأساس أنه شخصية حقيقية، فسر البعض موقف أوباما من إيران لكونه "شيعياً" وإنه اكتسب هذا المذهب من خلال "والده" كما قال النائب العراقي السابق طه اللهيبي لصحيفة "واشنطن بوست" في تاريخ العاشر من سبتمبر (أيلول) 2015، أو حسبما قال الإعلامي السوري المعارض الدكتور محي الدين اللاذقاني في مقابلة متلفزة له في تاريخ 15 من مارس (آذار) 2015، ومع احترامي لمثل هذه الاجتهادات، إلا أنني لا اعتقد أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن يكون أسيراً لمثل هذه الخلفية إن وجدت، فصناعة القرار في أمريكا معقدة ومتداخلة لدرجة لا تسمح لـ"الهوى" سواء أكان قومياً أو دينياً أو فكرياً بأخذ الدولة الأعظم إلى قرارات ورؤى خارجة عن مصلحة الأمن القومي الأمريكي، وعندما تُتخذ مثل هذه القرارات فالنتيجة تكون حادثة على غرار حادثة اغتيال "جون كنيدي" وهذا ليس موضوعنا الآن!
" كولين دويك" أحد المتخصصين بالسياسة الخارجية الأمريكية يفسر ذلك في كتابه المعنون "عقيدة أوباما.. الاستراتيجية الأمريكية اليوم"، الذي نشر ملخصه موقع قناة الجزيرة وبقلم مرح البقاعي وهو الكتاب الذي صدر قبل عام تقريباً، يقول دويك: "أسس أوباما لعقيدته السياسية استناداً إلى محورين رئيسين، الأول يقوم على مبدأ التوجه إلى الداخل الأمريكي وإيلائه القدر اللازم من الزخم السياسي لتمرير أفكار أوباما الأقرب إلى الاشتراكية المعتدلة، فأوباما يعتقد أن قوة أمريكا تنبع من تماسكها ونمائها في الداخل وليس من علاقاتها الدولية وسطوتها الخارجية، وأن الأمن القومي الأمريكي لا يمر في قناة السياسات الدولية بل يعززه مجتمع قوي يقوم على إتاحة الخدمات للجميع، كمشروعه لترشيد التأمين الصحي الذي يسمى بـ أوباما كير".
ويضيف "أما المحور الثاني الذي يشكل الحامل لعقيدة أوباما السياسية، فهو سعيه الحثيث لاحتواء دول كانت تعتبر إلى ما قبيل مجيئه إلى سدة البيت الأبيض دولاً مخاصمة أو مارقة أو عدوة مثل الصين وإيران وروسيا".
ولكن السؤال المهم كيف احتوى أوباما إيران؟
قبل الإجابة على السؤال فإن الوقائع تقول ما يلي:
أولاً: ضغط أوباما بقوة على المجتمع الدولي لعقد اتفاق حول برنامجها النووي وهو يعلم أن هذا الاتفاق لن يستطيع وقف طموحاتها في إنتاج قنبلة نووية.
ثانيا : سمح لإيران بالوراثة من بوش الابن بأن يكون العراق محافظة إيرانية لا علاقة لها بالعروبة ، وسمح لها بتحويل العراق مسرحا " للطائفية والمذهبية القاتلة".
ثالثاً: ترك لبنان مبكراً كقضية ومسألة إيرانية - سورية وعمل على تقويض الدور العربي في قضاياه الرئيسية وتحديداً موضوع "الفراغ الرئاسي"، ونجح في تحويل الوضع اللبناني إلى قضية مرتبطة بالأزمة السورية.
رابعاً: كان شديد التحفظ على عاصفة الحزم في اليمن وأبدى امتعاضه من المبادرة السعودية لتقويض النفوذ الإيراني في تحويل اليمن إلى دولة تابعة لطهران.
خامساً: لم ير أن التدخل العسكري الإيراني ومليشيات طهران في سوريا يعد أمراً خطيراً، هذا عدا عن تراجعه عن استخدام القوة العسكرية ضد النظام السوري في حال استخدامه للأسلحة الكيماوية والتي أثبتت التحقيقات الدولية قيام النظام باستخدامها.
سادساً: لم يعمل على أخذ مواقف حدية وجدية ضد حزب الله وإيران باعتبارهما يرعيان الإرهاب، ومن سوء حظ "عقيدته" أنه وبالتزامن مع نشرها أثبتت محكمتان أمريكيتان أن إيران متورطة بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وأخرى أثبتت أن حزب الله متورط في تفجيرات فنادق عمان 2005.
من الصعب للغاية تفسير تفكيره، ولكن من المؤكد أنه رجل غير جدير بالثقة، وتحديداً من قبل حلفائه الذين التقاهم مرات عديدة وكان يخدعهم بمواقف غير تلك التي عبر عنها لجيفري غولدبرغ.
فعقيدة الاحتواء لدى أوباما تتحول إلى "رعاية ونماء لإيران"، وها هي تساهم في جعل دولة مارقة قوة إقليمية عظمى ويترك لها المجال لمزيد من العبث بأمن المنطقة.. إنها حالة متأرجحة بين المراهقة والمثالية السياسية التي ترى بعين واحدة.
"24"