الخيانة إذ تولد الشراسة .. خيانة أمريكا للسعودية نموذجا
اسعد العزوني
19-03-2016 08:20 PM
لا صداقة دائمة ولا عداوة للأبد ، هذا هو منطق علاقات الدول منذ أن تأسست ، لكننا لم نفهم هذه المعادلة وخاصة نحن العرب ، وآمنا أن أمريكا هي القبلة والمحراب ، لكن أمريكا حسمت أمرها معنا ووظفتنا عندها ، وقبضت منا المكافأة والعمولة ، وإستدانت منا ما هو أكثر .
ما أتحدث عنه اليوم هو ان العربية السعودية أدركة رؤي العين خيانة امريكا لها ، ومع من ؟ مع إيران التي تناصبها العداء في الإقليم ، وإنكشف المستور بعد توقيع الإتفاق النووي الإيراني مع دول غربية وأمريكا ، أو ما بات يعرف "5+1"، مؤخرا ، وإشاحة أمريكا لوجهها عن الشكاوي السعودية بكافة صورها ، رغم المحاولات السعودية المتمثلة بصفقات الأسلحة.
حاولت السعودية معالجة الأمر بروية إستنادا إلى ما قدمته لأمريكا وحلفائها ، منذ قمة السفينة الحربية كوينسي أواخر شباط 1945 في البحيرات المرة بمصر " عبد العزيز – روزفلت "، وما تلى ذلك ، لكنها لم تفلح لأن الإدارة الأمريكية حسمت أمرها ، وبدات بنسج تحالف مع إيران "الشيعية"، وبدأت بالترويج أنها تتحالف مع الشيعة ، ضد أهل السنة .
دول الخليج العربية إنضمت للسعودية في هذه المرحلة الحرجة ، وإتهمت الرئيس الأمريكي أوباما بإنتهاك مبدأ آيزنهاور المتعلق بالفراغ في الشرق الأوسط عام 1957 ، وأعلنت أنها لا تثق الرئيس أوباما ، وتطالبه بتثبيت هذا المبدأ كإتفاقية مكتوبة ملزمة.
رغم ما قامت به السعودية من محاولات من خلف الستار وبعيدا عن الإعلام ، مداراة للفضيحة ، إلا أن الموقف الأمريكي إرتقى لموقف المتعنت ، الذي لا يراعي شعور الأصدقاء ، وهذا ما أثبت صحة ما يقال عن تحالف أمريكي – إيراني ، بات يظهر في النور هذه الأيام .
ما زاد الطين بلة أن أمريكا أصرت على الإتفاق النووي الإيراني وروجت له ، متقاطعة بذلك مع صديقتها وحليفتها العربية السعودية ، التي أصبحت تنظر إلى هذا الإتفاق على أنه موجه ضدها ، ولكن لا حياة لمن تنادي ، فقد حسمت الإدارة الأمريكية أمرها ، وحددت وجهتها وأعلنت حليفها الجديد.
عند ذلك ، وبعد مراقبة السعودية للتصريحات الأمريكية التي كانت بمثابة عملية صب الزيت على النار ، وخاصة ما يتعلق بالأوضاع في سوريا وإيران واليمن ، كاشفة عن إنحياز مطلق لإيران ، خاصة بعد إتهم الرئيس أوباما السعودية بأنها لا تتفهم السياسة الأمريكية في المنطقة ولا تساعد امريكا على تطبيق سياستها ، وهذا وأيم الله نكران للجميل ، لم نسمع عنه سابقا ، لكنها أمريكا .... ، وقد طالبها مع إيران بتنفيذ سياسة التعايش .
بعدها أدركت السعودية أنه لا مناص من المواجهة ، فقفزت عديد القفزات في الهواء إلى الأمام ، وعلى طريقة حرق المراحل ، وأول الغيث كان الدخول العسكري في اليمن بعد تشكيل تحالف عربي عسكري ، وقامت بإرسال رسالة لأمريكا للعلم وليس طلبا للمشورة ، وهذه واقعة لم تشهدها العلاقات السعودية – الأمريكية ، بعد أن طفح الكيل .
لم تقف السعودية عند هذا الحد ، بل عمدت إلى تشكيل تحالف إسلامي واسع ، في خطوة لم تخطر على بال أحد ، وضم هذا التحالف الباكستان والسودان والأردن ومصر ودولا اخرى إضافة إلى دول الخليج العربية ، وأبرز ما يمكن ان يقال عنه ، أن السعودية نجحت في فك التحالف بين السودان وإيران ، وكانت آخر فعالياته قبل أيام وهي مناورات "رعد الشمال " في منطقة حفر الباطن ، التي قيل أنها تمهد للتدخل البري في سوريا من الجبهة الأردنية بعد نيل الموافقة الأردنية التي تاخرت كثيرا ، والإنتقال إلى لبنان لمواجهة حزب الله ، ولردع إيران .
السعودية هذه الأيام تخوض حربا على جبهتين ، أمريكا وإيران ، بإعتبارهما حلفاء اليوم ،وأهم ما ورد في هذا المجال ، أنها نجحت في تمرير قرار بإجماع خليجي وتأييد غالبية دول جامعة الدول العربية ، مع تحفظ لبنان والعراق وملاحظات من قبل الجزائر ، يدعو إلى إعتبار حزب الله المؤيد لإيران منظمة إرهابية .
كانت السعودية جادة في هذا التحول الذي إنتهجته مؤخرا ، ولذلك تعاملت مع الجميع بلهجة قاسية ، وعلى الفور عاقبت لبنان بأن حرمته من صفقة الأسلحة الفرنسية ، وقيمتها أربعة مليارات دولار تبرعت بها للجيش اللبناني ، ويقال أنها ستقوم بتحويل جزء من هذه الصفقة إلى السودان مكافأة له ، والبقية سيتم تحويلها للتحالف الإسلامي .
ومن إبداعات السعودية إبلاغها بالأمس إدارة الرئيس أوباما أنها تسحب إعترافها بحوكة بغداد ، لأنها حكومة طائفية تشن حرب إبادة ضد المكون السني في العراق ، وهذا مؤشر على أن المواجهة السعودية – الجزائرية لن تتاخر .
آخر الإستفزازات التي أفرزتها هذه المرحلة التي تشهد توترا سعوديا امريكا ، هو دخول مستدمرة إسرائيل على الخط ، بنشر صحيفة "هآرتس" العبرية يوم الأربعاء الماضي ، تحقيقا مطولا يعج بالهرطقات ضد العرب والمسلمين ، عنوانه :"السعودية كانت مملكة يهودية".