العلاقة التي رسمتها قوانين الفيزياء والسلوك البشري الطبيعي بين الفعل وردة الفعل انها في الحد الاقصى متساوية في المقدار, مع ان قوانين المجتمعات والاخلاق الكريمة جعلت ردة الفعل اقل من الفعل احيانا بحكم التسامح والحكمة والحلم وحسن تقدير العواقب. في مجتمعنا وحتى في ساحتنا السياسية حوادث لم تتحول الى ظواهر تكون فيها ردود افعالنا اكبر من الفعل نفسه، وآثار ردود الفعل اكبر من اثمان الافعال ذاتها , وتبدو الصورة كان المجتمع (عصبي) او متحفز للزعل والغضب، طبعا لا نتحدث عن تعميم لكن الحوادث التي تتم اذا استمرت ستتحول الى ظاهرة مقلقة.
نسمع عن اقارب مريض يذهبون الى الطوارئ في مستشفى فيحدث تقصير او ربما يكون ما يجري عاديا لكنه اقل من حجم عاطفة اهل المريض فيكون رد الفعل ضرب الطبيب او الممرض، واحيانا كما قرأنا اكثر من مرة يتم تكسير المستشفى غضبا من اجراء او ربما تعبيرا عن حالة لا علاقة لها بالمستشفى بل مرتبطة باحداث سبقت دخول المستشفى.
نحن لا نتحدث عن حالة واحدة، بل ان استعراضنا للهوشات والمشاكل والصدامات الاجتماعية خلال الفترات الماضية تصل بنا الى نتيجة ان ردود افعالنا اكبر من الفعل، وهذا عكس قواعدنا السلوكية. فهذا المجتمع معروف بالتسامح وكل قصص ومسار القضاء العشائري والتعامل بين عائلاتنا في المدن والقرى والبوادي تشير الى تسامح وعفو، ورد الفعل اقل من الفعل. وهذا في قضايا ومجالات اقل توترا من الحكايات التي نقرأ عنها في الصحف والمواقع الالكترونية، والتي يخيل لمن يتابعها من بعيد ان المجتمع الاردني مستغرق باطلاق النار والهوشات وضرب المعلمين والممرضين والاطباء وتكسير اقسام في مستشفيات.
جزء مما نسمع عنه طبيعي، لكن تزايد الحوادث تشير الى ان هناك حالة عصبية. فالفعل يكون رد الفعل عليه اكبر منه ثم يكون هناك رد فعل على رد الفعل الاول. وهكذا يصبح لدينا قضايا جديدة، والامر يمتد الى سلوكياتنا او سلوكيات بعضنا في قضايا بسيطة مثل ان يتجاوز عنك شخص آخر في سيارته او يلاحقك، او الضوء العالي من سيارت خلفك او يتجاوز طابور الخبز او الحمص شخص فتندلع طوشة، ومرة اخرى فالامر في حدود معينة طبيعي، لكن تكرار او تزايد الحوادث والقصص والاخبار يشير الى ان هناك ما يستحق التوقف عنده.
وحتى في الساحة السياسية؛ فأحيانا تكون ردود الافعال اكبر من الفعل، واحيانا هناك من يعتقد ان الحل في (عقاب) مخالفيه او من يزعجونه يتم في الحدود القصوى من الاجراءات او العقاب في الارزاق او حرمان من حق سياسي، او التعامل وفق قانون بوش "اما معي او ضدي". فمن يتخذ قرارا او يصدر حكما سياسيا وهو يشعر بالخوف او وهو في حالة غضب، فلن يكون صاحب حكم سليم لان هذا يخالف المبادئ الكبرى التي تنص على ان القاضي يجب ان لا يقضي وهو غضبان او وهو جائع, اي وهو ليس في وضع جسدي ونفسي غير طبيعي.
وابتداءا من الاب مع ابناءه الى المعلم او صاحب العمل او المسؤول في كل مراتبه فإن رد الفعل يجب ان لا يكون اكبر من الفعل. فتخيلو اطفالا يعبثون بالتلفزيون في البيت ويصدرون ضجيجا فيكون رد فعل الاب تكسير التلفزيون وجلد الاطفال، فهذا رد فعل لا يعطي ميزة تربوية او خبرة او عاطفة ابوة من هذا الاب تجاه اطفاله, ويمكن القياس من هذا المثال الى كل مستويات الفعل ورد الفعل.
في بناء المجتمعات والمواقع القيادية احدى مواصفات "الكبير" سواء كان ابا او مسؤولا في عائلة او عشيرة او وزير ااو حتى قائد حافلة انه لا يمارس ردود افعال اكبر ولا حتى مساوية للفعل، ولديه القدرة على الحلم واحتواء المشكلات. وهذا ما يجعل ردود الافعال العامة اقل من الفعل، ولو تحقق هذا منا جميعا في كل ممارساتنا في البيت والشارع والمدرسة والملعب وادارة امورنا العامة والسياسية فإن النتيجة ان المشكلات التي هي نتاج طبيعي لحركة البشر تجد لها حلولا تمنعها من التفاقم وتكون ردود الافعال سببا في حل المشكلات وليس نحو زيادة احجامها.
وفي المثل الشعبي ان "الطنجرة الكبيرة تحوي الطنجرة الصغيرة" لكن المشكلات تتم اذا واجهنا القضايا السياسية والاجتماعية بأحجام متساوية.
sameeh.almaitah@alghad.jo
الغد