يقول صديق: جاءتني هذا الأسبوع فاتورة مياهنا ، وفيها عبارة تقول إن الدعم الحكومي على فاتورتكم يبلغ 42 ديناراً.
يريد هذا الصديق أن يقول للحكومة من خلالي أنه ليس ممنوناً لهذا الكرم الحاتمي الذي لم يتوقعه ولم يطلبه ولا يستحقه ، فهو مستعد لدفع ثمن المياه التي يستهلكها ولا مانع لديـه من إضافة 10% على الكلفة كربح لتمويل أعمال التوسع ، والبحث عن مصادر مياه إضافية لتلبية طلب المجتمع ، ولتتوقف سلطة المياه عن استدانة الملايين من البنوك بكفالة الخزينة.
قلت له إنك تتكلم عن سعة ، فأنت قادرمالياً أو غني لكنه تساءل: إذا كنت قادراً مالياً وغنياً كما تقول ، فلماذا تدفع لي الحكومة 42 ديناراً لدعم المياه التي استهلكها.
من أين تأتي الحكومة بهذا الدعم؟ أحد المصادر المحتمله هو المزيد من الضرائب أي أن تأخذ من الجميـع لتدعم القادرين ، ليسقوا حدائقهم ويغسلوا سياراتهم ، والمصدر الثاني هو الاقتراض ، فالحكومة تقترض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتحت كفالة الخزينة الاميركية لكي ترسل لهذا الصديق مع الفاتورة غلافاً به 42 ديناراً مع تحيات وزارة المالية ، مع أنه لم يطلبها ولم يتوقعها ولا يستحقها.
الأردن رابع أفقر بلد في العالم من حيث مصادر المياه ، مما يتطلب الاقتصاد في استهلاك المياه ، لكن الدعم يؤدي إلى الإسراف وزيادة الاستهلاك ، أي أن سياسة الدعم تسبب خللاً اقتصادياً تشتريه الحكومة بالمال المقترض.
المسألة لا تقف عند الماء ، ذلك أن حاويات الزبالة تعتبر المستهلك الأول للخبز الذي يباع بثلث الكلفة ، ويجري تمويل الفرق من البنك الدولي وإخوانه.
الحمد لله أن شركة الكهرباء الوطنية ، وهي مؤسسة حكومية ، لم تعد تخسر بعد أن هبط سعر البترول بنسبة 70% ، أما قبل ذلك فكانت تتحمل أكثر من ألف مليون دينار سنوياً تدفعها وزارة المالية دون أن تقيدها ضمن النفقات المتكررة ، لتمكيننا من استهلاك المزيد من الكهرباء عندما كانت الحكومة ترفع شعار توفير الطاقة!.
إذا كان الدعم يذهب للمقيمين في الأردن بصرف النظر عن جنسياتهم ، فإن بعضه يذهب لدعم مستهلكي اللحوم في دول الخليج العربي حيث نصدر لهم سنوياً مئات الآلاف من الخراف التي جرى تسمينها بأعلاف مدعومة.
بدلاً من التركيز على تخفيض أسعار السلع والخدمات بشكل مصطنع ، لماذا لا نركز على زيادة الدخول ، أي النمو الاقتصادي وفرص العمل. لماذا لا نحفز الإنتاج بدلاًً من دعم الاستهلاك.
الرأي