يفاخر الصحفيون الأميركيون المحترفون عادة بأن أحداً لا يتدخل في عملهم الصحفي ، ولا يطلب منهم حذف عبارة هنا أو إضافة عبارة هناك ، وقد يكون هذا صحيحاً في الشكل والتفاصيل ، ولكن الصورة العامة تختلف كثيراً.
مقدمة برنامج تلفزيوني إخباري (جسيكا يلين) تعترف بأنها تعرضت لضغوط هائلة من رؤسائها كي لا تنتقد الرئيس بوش عندما كانت شعبيته عالية وخاصة في الأوقات التي ارتفعت فيها حرارة الرأي العام الأميركي ، وحماسه للحرب على العراق ، والتشكيك بوطنية من يقف في الطريق.
ليس هدفنا هنا تأكيد ما إذا كانت حرية الصحافة في أميركا محدودة أو مطلقة فالمحددات ، إن وجدت ، ليست مفروضة من القانون أو السلطة ، ولكن من مالك أو إدارة يهمها الانسجام مع المسار العام للمجتمع ، والبقاء ضمن التيار الرئيسي السائد في البلد.
هدفنا هو توضيح أن شعبية المسؤول ودعم الرأي العام له تشكل حصانة له ، وترفع كلفة انتقاده ، وتغري المعلق الصحفي بأن يأخذ الجانب الإيجابي ويسير مع التيار. وإذا لم يخضع لضغوط السلطة ، فإنه مضطر للخضوع لضغوط الرأي العام ، وهو في بعض الأحيان أقسى من السلطة.
مر وقت على الصحافة الأميركية كانت فيه تتهم بعدم الوطنية ، حتى لا نقول الخيانة ، إذا لم تساير المزاج العام المقبل على الحرب ضد العراق ، ومن هنا انكمش أكثر المعارضين للحرب ، وفرضوا على أنفسهم رقابة ذاتية ، حرصاً منهم على صورتهم وسمعتهم في نظر الجمهور.
في تلك المرحلة القاتمة من تاريخ الإعلام الأميركي ، ظل هناك شجعان يعارضون الحرب ، وينتقدون الإدارة ، ويشككون في ادعاءاتها ومبرراتها للذهاب إلى الحرب. ولكن هؤلاء كانوا قلة معزولة ، فشبكات التلفزيون الرئيسية لا تستضيفهم لكي لا تتهم بأنها غير وطنية بالمقارنة مع شبكة فوكس نيوز التي كانت تدق طبول الحرب.
شعبية الرئيس في نظر شعبه ، ورصيده لدى الرأي العام ، رأسمال سياسي ثمين جداً لا يجوز استهلاكه أو التضحية به ، أو السماح بالسحب عليه ، إلا لحساب قضية مصيرية. أما البعض من حاشيته فإنهم يسارعون للانسحاب من المشهد إذا أصبحوا عبئاً عليه وبدأوا بالسحب على رصيده.
الراي