في آخر حلقة من مرحلة الـ48 من "شاعر المليون"
17-03-2016 12:48 PM
*تصويت الجمهور يذهب للشاعر العماني منذر الفطيسي عن الحلقة الماضية
*كريزم أول فلسطيني في المرحلة الثانية، واللجنة تؤهله مع الكويتي العازمي بـ48 درجة لكل منهما
*السعودي الرّوقي يحل ثانياً ويتأهل بـ47 درجة
*لجنة التحكيم تعلن عن معايير المرحلة الثانية التي تبدأ الأسبوع المقبل
عمون - اخلاص القاضي
مع حلقة ليلة الثلاثاء، الحلقة السادسة من "شاعر المليون"؛ اختتمت المسابقة المرحلة الأولى من مراحلها، حيث كان بانتظار نتيجة تصويت الجمهور عن الحلقة الماضية 5 شعراء، فجاء التصويت لصالح منذر علي محمد الفطيسي من سلطنة عُمان، حيث حصل على 74% من التصويت والتحكيم، ليتابع مسيرته في المسابقة منتقلاً إلى مرحلة الـ24، إلى جانب الشعراء الثلاث الذين أهلتهم لجنة التحكيم في الحلقة الخامسة، وهم مطلق محمد سعد الفزران، وضاري مشعل خليفة البوقان الرميح من الكويت، ومحمد بن عمر السكران من السعودية.
أما بقية الشعراء الأربعة فلم يتأهلوا، وهم إبراهيم سعيد عبدالهادي العجوري، وطلال سعيد نشيره المري، وفهد الشهري، ومسهوج عبدالله الشمري، وغادروا خشبة مسرح شاطئ الراحة، لينضموا من صفوف المتنافسين إلى صفوف جمهور البرنامج الذي تبثه على الهواء مباشرة قناة أبوظبي الأولى وقناة بينونة، وتنتتجه وتنفذه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي.
وفي حلقة الثلاثاء كان متابعو البرنامج ومتذوقو الشعر النبطي على موعد مع ثمانية شعراء جدد هم: عدنان راضي كريزم، الذي تأهل بجدارة إلى المرحلة الثانية في ختام الحلقة، ومنحته لجنة التحكيم 48 درجة، ليكون بذلك أول فلسطيني يصل إلى هذه المرحلة في تاريخ المسابقة منذ انطلاقها، كما أهلت اللجنة الكويتي عبدالله مطلق جريان العازمي بذات الدرجة 48، بينما حصل السعودي سلطان بن نايف الرّوقي العتيبي على 47 درجة، ليأتي بعدهم خمسة شعراء سينتظرون أسبوعاً نتيجة تصويت الجمهور: صالح يوسف سليمان البلوي، وعبادي جمعان إبراهيم الزهراني، وسلطان منصور المطيري المسمّا، بحصولهم على 46 درجة، وليحل أخيراً بـ43 درجة كل من السعودي فايز سعد شطي العنزي الزناتي، والإماراتي سعيد خلفان طميشان الكعبي، وهو الذي منحه جمهور المسرح 40% من أصواته ليلة أمس التي حفلت بغناء عبدالله الطواري شلة (يا سلام الله على دار السلام) من كلمات الشاعر فرحان العازمي.
لجنة التحكيم.. معايير جديدة
على موعد مع النقد كان الشعراء في مواجهة التحكيم الذي يحرص في كل حلقة على إنصاف النصوص التي تُلقى في المسرح، ليقول الكلمة الفصل الشاعر حمد السعيد، والأستاذ سلطان العميمي، ود.غسان الحسن الذي تم تكريمه قبل أيام من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بجائزة أبوظبي.
ومع ختام الحلقة تحدثت لجنة التحكيم عن معايير المرحلة الثانية من مراحل المسابقة، أي مرحلة الـ24، حيث سيتنافس ستة شعراء على مدار أربع حلقات، ومن كل حلقة سيتم تأهيل شاعر واحد بقرار اللجنة، وشاعرين بقرار الجمهور، وبعد انتهاء الحلقات الأربع يكون عدد المرشحين قد وصل إلى اثني عشر شاعراً، لكن اللجنة ستمنح ثلاث بطاقات ذهبيات لثلاث شعراء ممن لم يتأهلوا، لكنها ترى أنهم يستحقون الاستمرار في المنافسة، ليصبح العدد الذي ينتقل إلى المرحلة الثالثة خمسة عشر شاعراً.
لكن على كل شاعر من الشعراء الـ24 واعتباراً من الحلقة القادمة إلقاء قصيدة حرة الوزن والقافية، يتراوح عدد أبياتها بين عشرة أبيات، واثني عشر بيتاً، على ألا تتناول القصائد موضوع مسابقة "شاعر المليون"، بسبب استهلاك الموضوع من قبل الشعراء منذ بدء هذا الموسم. أما المعيار الثاني فقد ارتأت اللجنة تأجيل الإعلان عنه حتى الحلقة القادمة.
شكر.. تقرير
قبل أن يغادر شعراء الحلقة الخامسة المسرح ألقوا شعراً مما جادت به قرائحهم، فشكروا من خلالها رجالات أبوظبي، تلك الإمارة التي استضافتهم في أكثر برامج الشعر جماهيرية.
ثم عُرض تقرير حول موضوع الفارس، أي من هو بالنسبة لكل شاعر ، وما هي صفاته، ومن هو الفارس الرمز بالنسبة لكل واحد منهم، وما هي دلالات الفروسية عندهم.
الكعبي.. عتبات المبالغة
بداية الشعر كانت مع سعيد بن طميشان الكعبي من الإمارات، وبعد إلقائه أبيات المدخل ألقى قصيدة المسابقة التي وجد د. غسان الحسن أنها لم ترقَ إلى المستوى الذي كان يأمل أن يسمعه، وقال الكعبي في قصيدته:
عليك السلام ورحمة الله ومغفرته مِن أول مَا حيّيت العلَم لين يوم الدين
رحلت وبقى لك ذكر بالمجد سطّرته يسولف به المستقبل إن مرّو الماضين
وحزني عليك بجانب القبر مقبرته لأنّك شهيد وأدري أنك من الحيّين
نعم بي حزِن لكنّ تطمّن ما ظهّرته تفاخرت بك ومْن الفرح طاح دمع العين
لو اللي غدر بك واجهَك ما تكاثرته لَكن من يهاب الموت بيواجهَه من وين
شجاعتك درسٍ ما بنسى مذاكرته وبنعلّمَه الأجيال إذا في السنين سنين
وموقفك مبدأ لين موتك ما غيّرته زرعته بتربة موطنك واعتنى به زين
ومتأكدين أن كلٍ بيقطف أثمرته ما دامه تغوصَن للسلام بكلا اليدّين
وطن كلّما يكبر بتكبر في ذاكرته لأنّه يحب أهله ووافي مع الوافين
يا كم دارٍ بعيدة تمنّت مجاورته فسبحان ربٍ جغرَف الأرض في يومين
يشد وعنان الخارطة تحت سيطرته وإن أرخاه في الشدة تقدّم على الباقين
ومن يستمع له شور نقبل مشاورته ولا نجامله لي صار وجه الليالي شين
مع الحق والحازم نثمّن مبادرته لوقفة عروبية ترد اليسار يمين
هوينا على الخصم وقطعنا مؤامرته بقوات تجمع هيبة الصقر والسيفين
نحن صدر يردع كل طاغي بزمجرته ونحن حضن للمُتعب وبسمة ومرحبتين
د. غسان الحسن أوضح أن النص جاء في مجال ذكر الشهيد وما يقدمه للوطن، وكيف تكون مشاعرنا تجاهه، كما في النص موقف عام للدولة تجاه الصديق، وكذلك ضد العدو، وهو ما برز في البيت (نحن صدر يردع كل طاغي بزمجرته/ ونحن حضن للمُتعب وبسمة ومرحبتين)، أي أن لكل واحد منهما ما يستحق من معاملة، مشيراً إلى الصورة الجميلة التي وردت في البيت (وموقفك مبدأ لين موتك ما غيّرته/ زرعته بتربة موطنك واعتنى به زين)، وفيها يبين الشاعر كيف يكون الشهيد شجرة تثمر وتنتج وتعطي للناس والمجتمع. وأوضح د. غسان أن في القصيدة عبارات يمكن أن نقول إنها جاءت على عتبات المبالغة، ومن بينها (يا كم دارٍ بعيدة تمنّت مجاورته/ فسبحان ربٍ جغرَف الأرض في يومين)، فبعض الأوطان تتمنى مجاورة وطن الشاعر، وقد اتضحت عتبة المبالغة في مفردة (جغرف) المستنبطة من مفردة الجغرافيا، والعبارة الثانية التي جاءت عند تلك العتبة وردت في الشطر (نحن صدر يردع كل طاغي بزمجرته)، ثم ختم د. غسان بأنه كان بإمكان الشاعر أن يكتب أفضل من تلك القصيدة.
الأستاذ سلطان العميمي، بارك لعائلة الراحل محمد خلف المزروعي نيله جائزة أبوظبي، كما بارك للدكتور غسان الحسن حصوله على الجائزة أيضاً نظير ما قدم من جهود امتدت على مدار 40 عاماً في مجال التراث.
وعن القصيدة قال العميمي: إن قصيدة الكعبي جميلة في موضوعها، مبدياً إعجابه بالبيت (عليك السلام ورحمة الله ومغفرته/ من أول ما حيّيت العلَم لين يوم الدين). وأشار الناقد إلى أن الشاعر ذهب في النصف الثاني من القصيدة للحديث عن الوطن، معتبراً أن ذلك إشارة مهمة إلى الشهيد الذي يمثل حاضر ومستقبل الوطن، ويمثل الهوية والذات. وسواء في المطلع (عليك السلام) أو في الختام (ونحن حضن للمُتعب وبسمة ومرحبتين) فإن الشاعر يؤكد روح السلام والابتسام، وختم العميمي بالإشارة إلى بناء النص الذي رآه جميلاً وموفقاً في صوره الشعرية.
الناقد حمد السعيد أشار إلى دسامة موضوع النص، حيث بدأ الشاعر بالحديث عن الشهيد، ثم انتقل إلى الوطن والُّلحمة الخليجية، وهو ما اتضح في البيتين (مع الحق والحازم نثمّن مبادرته/ لوقفة عروبية ترد اليسار يمين)، و(هوينا على الخصم وقطعنا مؤامرته/ بقوات تجمع هيبة الصقر والسيفين)، وبشكل عام جاءت أبيات النص على طرق المنكوس الذي يناسب جو الحزن، وقد يناسب موضوع النص. لكن السعيد تمنى لو كان الحضور المسرحي للشاعر أقوى، إذ لم يكن متناسباً مع ما قدم، مؤكداً أن الحضور له أهمية كبرى، فهو يسهم في إيصال النص ومعناه للمتلقي.
المسمّا.. أبعاد كثيرة
سلطان المطيري المسمّا ثاني شعراء الحلقة، وهو الذي ألقى نصاً على درجة عالية من التألق، لما فيه من صور شعرية وتراكيب متميزة، وقال في نصه الذي أهداه لوالدته المتوفاة:
نزعت ثوب الجفاف اللي كبتني أسير من يوم غنّت لي الغيمة من أمطارها
باقي على الحلم عزم وكم خطوة مصير متلهفة خطوتي لعناق مشوارها
اللي يهاب الدروب المعضلة يستخير معي هقاوي كبيره بحشم وقارها
أبنحر الصمت من صوتي وأقول الكثير خلّوني أفهق ضلوعي وأفتش أسرارها
تعتقك ذكرياتي وانخنقت بضمير من ياخذ الذكريات ويمسح غبارها
بشوفها عن كثب أحس ماني بخير فيها ملامح قديمة بعرف أخبارها
هنا طفل شاب شوقه يرقب وبالأخير تلت عليه الليالي موجز أخطارها
قام يتخبط على الانظار مثل الضرير يقول يمّه ونفسه تصطلي نارها
تكفون هي وينها انا ولدها الكبير أبطت على عيالها وأبطت على دارها
قولوا توفّت أنا أدري الموت ما يستشير عقول بعض الصغار أكبر من أعمارها
روّح مع العزلة اللي ما تدله لخير ذاوي من الضيقة ومتلحّف خمارها
وفي حين صحوه حزم حزنه وقرر يسير إلى الحياة الجديدة عكس تذكارها
وكبر كبر واعتلى بـ عزومه وصار غير مثل ما وصتْه قبل يطول مسفارها
يا ليتها لو تشوف الحين ذاك الصغير وشلون يسلب عقول الناس وأنظارها
يقدي الشمس للغرب ويزف العبير على وجيه الرياض وتضحك أزهارها
أشار الناقد سلطان العميمي إلى حضور الشاعر، حيث أن المسمّا ومن البيت الأول كان متفاعلاً مع ما ألقاه، فجاء حضوره لافتاً. وأعاد العميمي قرب النص إلى النفس بسبب ما يحمله من دفء المشاعر، وأحاسيس مرهفة، ولعل أكثر ما يلفت فيما ألقى الشاعر علاقته بوالدته الراحلة.
وقد نبه العميمي إلى وجود مشاعر عديدة في النص، من بينها التردد، العزم، الحنين، التفاؤل، وهو ما أدى من وجهة نظره إلى تنوع في الصور الشعرية، حيث تناوب الشاعر على الحديث عن مشاعره، وعن ذاته، وعن والدته، وكذلك عن علاقته بالشعر، مؤكداً الناقد أن توهج النص بدأ من البيت الرابع (أبنحر الصمت من صوتي وأقول الكثير/ خلّوني أفهق ضلوعي وأفتش أسرارها)، علماً أن الصور الشعرية تمتد في النص بطريقة مميزة، ومن خلالها تحدث سلطان عن طفولته، ليتابع الحركة والصوت والحوار حتى البيت الأخير، والذي قال فيه (يقدي الشمس للغرب ويزف العبير/ على وجيه الرياض وتضحك أزهارها)، بما في تلك الضحكة من محاولة لوصف والدته، وهو ذات البيت الذي استرعى انتباه الناقد حمد السعيد الذي أشاد بوفاء الشاعر لأمه، وقال إن الحديث عن النص يطول، وأبياته جميلة كما الحال بالنسبة للبيت (باقي على الحلم عزم وكم خطوة مصي/ متلهفة خطوتي لعناق مشوارها)، و(يا ليتها لو تشوف الحين ذاك الصغير/ وشلون يسلب عقول الناس وأنظارها)، عندما تحدث سلطان بلسان الطفل الذي صار نجماً في شاطئ الراحة. لكن السعيد فضل التركيز على ملاحظاته على النص الذي لم يأتِ موفقاً، فحين قال الشاعر (نزعت ثوب الجفاف اللي كبتني أسير/ من يوم غنّت لي الغيمة من أمطارها) وجد السعيد أن مفردة (نزعت) لا تتجانس مع (ثوب الجفاف)، ولو استبدلها سلطان لكان ذلك أفضل، وذات الشيء مع مفردة (أبنحر) التي لم يوفق الشاعر في اختيارها.
د. غسان الحسن أكد أن القصيدة من النوع الذي يعطي المتلقي أبعاداً كبيرة جداً، فرأى فيها عدة مراحل، بدت في الانطلاقة الجديدة وما حدث في المسابقة، وكذلك في الأمل والعزم، وكل ذلك يشعر به المتلقي، ثم الذكريات التي تصور سلطان الصغير الذي تقوقع وانكفأ على ذاته إثر وفاة أمه.
وقد اعتبر الحسن أن القصيدة كلها تجلت في البيت (قولوا توفّت أنا أدري الموت ما يستشير/ عقول بعض الصغار أكبر من أعمارها) ليعيش الطفل بعدها العزلة، وذهاب الخير، والضيق، والتلحّف، كما جاء في البيت (روّح مع العزلة اللي ما تدله لخير/ ذاوي من الضيقة ومتلحّف خمارها )، فبدا سلطان كما لو أنه فقد شخصيته مع فقدان أمه، كما وجد د. الحسن في البيت الذي يليه سبع نقاط تدل على الانكفاء على الذات، لكن الشاعر لم يجد من ينقذه مما كان فيه، إلى أن رأى في أمه حافزاً له للصعود وإنهاء حالة الانطواء، فعمل بنصيحتها، وحقق ما كانت تصبو إليه، كما أوضح البيت (وفي حين صحوه حزم حزنه وقرر يسير/ إلى الحياة الجديدة عكس تذكارها).
الرّوقي.. شاعر متمكن
سلطان بن نايف الرّوقي الذي أهلته لجنة التحكيم إلى مرحلة الـ24 عن نصه الذي قال فيه:
تخالف خطى الأيام والمستحيل يكون وقسم البني آدم يكبر بطيب نياته
تدور الرحى ويعود حب الرحى مطحون ويجبر كسير الذات ويلملم شتاته
عليه الهبوب تسوق فوق المزون مزون مطرها يغذي خاطره وقع زخّاته
وينبت على قفر الأمل كل شكل ولون من الورد تزخرف المقابيل واحاته
وشمس الفرح تشرق وياسع عليه الكون وتبرا الجروح وينتهي من معاناته
ليا انزاح كل الضيق عن صدره المشحون يطير بسما الأحلام ويصيد مشهاته
محطات عمري ف البداية شقا وغبون لعل الفرج مكتوب لي في نهاياته
معي حظ يضحك لي لكنه بدون سنون يا وجه الله ليا من تذكرت ضحكاته
عليّ الظروف القاسية من زمان تمون تونّس على ونّات قلبي ولوعاته
وهي ما درت بني لها شاكر وممنون عطتني من دروس الزمان ومتاهاته
تعلمت منها الصبر ف المعضلة وشلون وش آخر محاصيله وش أول نجاحاته
أموت بكرامة حافظٍ سري المدفون تراه أهون من الذل في كل حالاته
ولو طرفت لي دنيتي رمحها المسنون حضنت المعزة لو سطت في طعناته
عزاز النفوس تعيش لو ما تحصل لون يفضّل حداهم شيمته عند رغباته
ولا يشكي الحاجة ولا يبخس الماعون ولا يطلب الفزعة ويا طيب فزعاته
حمد السعيد أشاد بما قدم الرّوقي وبحضوره وبتفاعله مع الأبيات، وقال: كان إيقاع النص عالياً، وفيه ما يدل على عزة نفس الشاعر، مثل البيت (عزاز النفوس تعيش لو ما تحصل لون/ يفضّل حداهم شيمته عند رغباته)، وما يدل على شهامته وأصالته، كما في البيت (ولا يشكي الحاجة ولا يبخس الماعون/ ولا يطلب الفزعة ويا طيب فزعاته)، في حين يوضح البيت (وهي ما درت بني لها شاكر وممنون/ عطتني من دروس الزمان ومتاهاته) استمرار سلطان في المثابرة إلى أن حصد النجاح في البيت (تعلمت منها الصبر ف المعضلة وشلون/ وش آخر محاصيله وش أول نجاحاته).
وأوضح السعيد أن كل الأبيات جاءت بسيطة التركيب، غزيرة المعنى، غير أن البيت (عليّ الظروف القاسية من زمان تمون/ تونّس على ونّات قلبي ولوعاته) يمثل الشعر السهل الممتنع الذي يطرب له. لكن ما أثار تساؤل الناقد كيف انتقل الشاعر في بداية النص من الحديث بضمير الغائب، إلى ضمير الأنا فيما بعد.
د. غسان الحسن قسم القصيدة إلى ثلاثة أقسام تدور حول ذات الشاعر، ففي البداية ثمة إشراقة وتفاؤل وانتشاء، والظروف جاءت ملائمة لذلك، وناسبت المفردات الجو، وهو ما أكده البيت (وينبت على قفر الأمل كل شكل ولون/ من الورد تزخرف المقابيل واحاته)، حيث الطبيعة والأجواء والأشياء تتفاعل مع الشاعر الذي استمر على هذه الحال في خمسة أو ستة أبيات، ثم ذهب إلى الماضي الذي كان حافلاً بالشقاء (محطات عمري ف البداية شقا وغبون/ لعل الفرج مكتوب لي في نهاياته)، وهو ما برر للشاعر فرحه بالحظ الجديد. ورأى الحسن أن الكشف الذي اتبعه الشاعر عبر أبياته جاء في بناء جميل وجديد.
أما في الشق الآخر من النص فقد تعلم الشاعر الصبر، ومن ثم الحرص على الكرامة، ومع أن الكرامة كانت جزيئةً، إلا أنها استغرقت من النص خمسة أبيات، الأمر الذي أعاد إليه د. غسان خفوت الشاعرية، ليبدأ التنظير وشبه المباشرة، ومع ذلك اعتبر أن شيئاً من الجمال يكمن فيما اتبعه الرّوقي من حديث في البداية عن الذات، ثم تحوله إلى الحكم.
القصيدة جاءت متميزة برأي الناقد سلطان العميمي، وفيها حضرت ذات الشاعر، ما يدل على شاعرية مميزة جداً. لكن الصورة التي أثارت اهتمام العميمي جاءت في البيت (معي حظ يضحك لي لكنه بدون سنون/ يا وجه الله ليا من تذكرت ضحكاته)، إذ لم يقل الشاعر إن حظه سيئاً، إنما استعار تعبير ضحكةٍ من دون أسنان، وفي ذلك عمق ودلالة جميلة. وعن البيت (ولو طرفت لي دنيتي رمحها المسنون/ حضنت المعزة لو سطت في طعناته)؛ فقال العميمي: (لا يقوله إلا شاعر متمكن)، ومضيفاً أن الحديث عن المعاناة جاء بصفة عامة، ولهذا قد يسأل المتلقي أين الخصوصية، وهي ما وجدها الناقد في التصوير الشعري الذي يميز الشاعر.
البلوي.. نص تصعب كتابته
النص الذي ألقاه صالح البلوي جاء جميلاً، وألقاه بالشكل الذي يناسب الموضوع مثلما قال د. غسان الحسن، واصفاً النص بأنه أحد النصوص التي لا يستطيع الإنسان تتبع الصور فيها لكثرتها. وفي نص البلوي جاء:
فراشة النور زارتني تهشّ الظلام والورد نفّض نداه البارد وباسها
تفتح لي أبواب قفلها سكون العتام علّ الصباحات تنفث فيني أنفاسها
صفّت على سوري الموحش قبيلة حمام ومأتم من الصمت زفت وسطه أعراسها
غنّت على مسمعي ضحك أصدقاي القدام اللي فرحهم ضيا روحي ونوماسها
كأنها لاقيه فيني ربيع التهام وأنا غصوني من الماء تعلن إفلاسها
وأنا خفوقي كأنه بعد خذلان عام صحرا تكشّر جفاف بوجه عسّاسها
جتني وأنا المُتعب اللي كل ما قلت أنام هاجت بي الذكريات ودقت أجراسها
من غيبة الشمس وأنا أحس ماني تمام فيني من الضيق حاله منتشي ياسها
ربكة شبابيك سكتت دوح ظل انهزام وقفة يجي يطيح ليله ساد خنّاسها
قرى من الجوع وحطامٍ يواسي حطام وبيوت طفّى الغياب أصوات جلاسها
فراشة النور من قلبي عليك السلام طيري عن الديرة اللي غرّبة ناسها
يا أحلى المسايير ف لساني مرارة كلام خايف لو أقول يخطف بسمتك باسها
أذّنت بإحساسي العطشان بين الغمام ولا كبّر الغيث وأرواني من إحساسها
ورسايل الشوق في صدري عزيزة مقام ولليوم رافع بطيحة دمعتي راسها
وأضاف د. غسان أن بناء النص جاء متماسكاً من الناحية الموضوعية، وكأن عند الشاعر تجربتين، واحدة قديمة، وأخرى حديثة، كما يتضح في النص الانشراح والانفتاح والفرج بدءاً من البيت (فراشة النور زارتني تهشّ الظلام/ والورد نفّض نداه البارد وباسها)، وعندما انتهى الشاعر من هذا الموضوع؛ تذكر (وأنا خفوقي كأنه بعد خذلان عام/ صحرا تكشّر جفاف بوجه عسّاسها)، ليأتي هذا البيت بمثابة فاصل بين الموضوع السابق والآخر اللاحق، وكأن فراشة النور أفرجت عنه، لكن الشاعر لم يستطع الفرح، لأن الحزن كان جاثماً على صدره. ومع ذلك بقي حضور الفراشة حتى نهاية النص، فهي الفاعلة والحاضرة في ذات الشاعر. وختم الحسن بأن ما ألقاه البلوي كان واحداً من النصوص الجميلة التي تصعب كتابتها، فهي تتعامل مع ما في جوف الإنسان من مشاعر لا يتمكن من ترجمتها إلا من هم مثل صالح البلوي.
سلطان العميمي وضف النص بأنه متماسك وموفق، وينتمي إلى مدرسة تجديد الصورة الشعرية الأقرب إلى الحداثة، بما فيه من رومانسية جميلة تمثلت في المفردات (نداه، فراشة، ورد، حمام)، ومن هدوء رغم معاناة الشاعر، وما أعجب العميمي البيت (وأنا خفوقي كأنه بعد خذلان عام/ صحرا تكشّر جفاف بوجه عسّاسها)، وكذلك التصوير في البيت (جتني وأنا المُتعب اللي كل ما قلت أنام/ هاجت بي الذكريات ودقت أجراسها)، ملاحظاً أن صراعاً من أول النص إلى آخره بين الأمل واليأس الذي ينتصر في النهاية.
من جهته لم يستغرب حمد السعيد شاعرية البلوي، فهو ابن شاعر، لكن تجربة كل واحد منهما تختلف عن الأخرى، مؤكداً أن على الشاعر أن تكون له بصمته الخاصة، وهذا ما جعله يثني على ما قدمه صالح.
عبادي.. تناظر لغوي
عبدالله جمعان الزهراني، أو عبادي كما يحب أن يدعى؛ ألقى قصيدة في والده الراحل، فقال له في نص (يُبه وينك؟):
يُبه يا أكثر ثلاث حروف تخنقني يُبه وينك؟ سؤال ومات بلساني
نطق دمعي قبل للصمت ينطقني ذبل عمري قبل ل الموت يلقاني
رحل حلمي قبل حتّى يحقّقني قبل لَ الناس تكتبني وتقراني
بقى ماضيك مستقبل يلاحقني وقف دربي ووقّفني وخلّاني
هنا ما عشت أمل إلا وعلّقني هنا ما خفت يأس إلا وخاواني
هنا ما طاح دمع إلا وغرّقني هنا ما مرّ عمر إلا وعدّاني
هنا ما أشعر بخوف إلا ويقلقني هنا ما فيه ناي إلا وغنّاني
يُبه يا ليته فراقك مفارقني ولا أشوفك على وجه العمر فاني
طيوفك وين ما أسافر تعانقني تعبت ف غربتي ملتني أوطاني
كثر ما أفتخر بـاسمي يضايقني وأنا أقرا اسمي وأشوف إنّ اسمك الثاني
كثر ما أكتبْك وأوراقي تشقّقني كثر ما طاحوا أحبابي من أغصاني
كثر ما حلمي برجعتك يسرقني وأقوم أدوّرك في لمّة إخواني
يُبه وينك؟ جوابي حيل يشهقني مثل ما متّ مات الحكي بلساني
بعٓدك: أشعر يدين العمر تخنقني ذكرك الموت ليه الموت ينساني
سلطان العميمي وجد أن الشاعر أبدع حضوراً وشعراً، وقصيدته جاءت مؤثرة لأنها صادقة العاطفة، وفيها خصوصية وتصوير شعري لا تكلف فيه، فالشاعر يثبت من خلال ما يبدعه أنه قادر على كتابة مختلف الأغراض بشعرية عالية. وما لفت الناقد إليه قافية الصدر والعجز بضمير الأنا، رغم أن عبادي تحدث عن والده، وربما ما ميز النص ارتباط الشاعر بموضوع القصيدة، ومدى التأثير الذي تركه غياب والده عليه. وأشار العميمي إلى مسألة مهمة، فمع أن عبادي تحدث عن والده الراحل إلا أن كتب نصاً جاء عن معاناته الخاصة وألمه وشعوره بالفقد، غير أنه كرر مفردة هنا (هنا ما عشت)، (هنا ما طاح)، (هنا ما أشعر)، (هنا ما خفت)، (هنا ما مر)، (هنا ما فيه)، وكذلك مفردة كثر (كثر ما أفتخر)، (كثر ما أفتخر)، (كثر ما حلمي)، ما أوجد في النص نمطية، لكن من ناحية ثانية جاء فيه تقابلٌ خفف من النمطية. مبيّناً أن البيت (كثر ما حلمي برجعتك يسرقني/ وأقوم أدوّرك في لمّة إخواني)، والبيت (يُبه وينك؟ جوابي حيل يشهقني/ مثل ما متّ مات الحكي بلساني) يمثلان الشعر الراقي.
ومع أن الناقد حمد السعيد أعجب بالنص، إلى أنه لم يحب غياب التفاؤل فيه، وهو الذي جاء حزيناً للغاية، فاليأس والإحباط استمرا من بداية القصيدة حتى نهايتها، كما لم يحب السعيد تكرار مفردة (هنا) ست مرات.
د. غسان الحسن قال إن النص مختلف جداً، وبدا اختلافه في ناحيتين، الناحية الأولى تمثلت في أسلوب البناء، والثانية تجلت في الإحساس، فالشاعر يعيش في جلباب أبيه، وينضوي في ظله، وهذا ما اعتبره الناقد سيطرة، وعلى الشاعر أن يتخلص منها، ويخرج من الغلاف الأبوي. ولفت د. الحسن إلى أن الشاعر بسط معاناته في النص، ومثلما بدأ انتهى، أي من أول بيت (يُبه يا أكثر ثلاث حروف تخنقني/ يُبه وينك؟ سؤال ومات بلساني)، وحتى آخر بيت، فجاء الأول معطوفاً على الأخير، وبالتالي استدارت القصيدة الحزينة، التي جاءت مبينة على التناظر اللغوي، ففي كل مجموعة أبيات أخذ الشاعر عبارات معينة، بين طباق ومقابلة، لكن تشابه الكلمات أوجد تناظراً جميلاً في النص، معتبراً ذلك لعبة جميلة تدل على امتلاك الشاعر القدرة على كتابة شعر متميز من ناحية أسلوبية البناء التي تشعرنا المتلقي بجمال اللغة.
العازمي.. تجربة ناضجة
عبدالله بن جريان العازمي ألقى نصه (وجـه أجـودي) الذي وصفه حمد السعيد بأنه يدل على فخامة الشعر وأصالة المفردة، إلى جانب النضوج الفكري بالنسبة للتركيب، وكذلك النقاء.
لاح بارق رجاي وقلت أشد الرحال واشعب اركاب فكري في دروب سعدي
موحش الليل في وجهي وبرده شمال كن خيل المواجع في حشاي تعدي
جرد هالبيد تزمي وين أدوّر ظلال عين ترقب سهيل وعين صوب الجدي
يابسة يا فجوجي كم سفتك الرمال وكم كسر في ثراي القيض غصنٍ ندي
ما ملا صبحها عيني ليال وليال فيني البرد لو يسكن زوايا جْسدي
أسكب الصبر في صدري تفوحه دلال ما بقى هيل لأيامي تشيله يدي
سقت ذود السنين الظاميات الهزال وين أبلقى غدير وقاعها جرهدي
لوّحت بيضها للنور قالت تعال مالت الشمس وأسراب الظلام تحدي
أطرد الغيم وثياب الأماني سمال ما معي غير كفيني ووجه أجودي
للقصايد هنا موطن يضم الجزال أنتثر شعر لا شح المطر ف بلدي
كم هدمت وبنيت وكم سؤال وسؤال من عيوني يطيح وسكّته تبتدي
شمّر البين يدّينه ومسّ الحبال وجيت مزنٍ يهز القاع صوت رعدي
في شموخ النخيل ونايفات الجبال لو قَنَب ذيبها ما قلت كَل اجهدي
قلت الملم شتاتي للدروب الطوال وأحضن أحلامي ف عين الزمن وأهتدي
مر طعم الرحيل وخطوتينه ثقال وصفر الأيام زاد وشمعتين لغدي
وأوضح السعيد أنه عاش جميع التفاصيل في كل الأبيات، بدءاً من البيت الأول (لاح بارق رجاي وقلت أشد الرحال/ واشعب اركاب فكري في دروب سعدي)، حيث قدم الشاعر التفاؤل على اليأس والمعاناة، أي ما تمثل في البيت (سقت ذود السنين الظاميات الهزال/ وين أ بلقى غدير وقاعها جرهدي)، إلى أن أتى البرق ليعلن عن بداية جديدة ومثابرة اتضحت في البيت (أطرد الغيم وثياب الأماني سمال/ ما معي غير كفيني ووجه أجودي). كما أشار السعيد إلى البيت (للقصايد هنا موطن يضم الجزال/ أنتثر شعر لا شح المطر ف بلدي ) الذي يحفل بالرمزية، وكذلك إلى البيت الذي قال فيه الشاعر(كم هدمت وبنيت وكم سؤال وسؤال/ من عيوني يطيح وسكّته تبتدي)، والبيت (شمّر البين يدّينه ومسّ الحبال/ وجيت مزنٍ يهز القاع صوت رعدي) الذي دلّ على الشموخ والتفاؤل. وختاماً لفت السعيد إلى (عين ترقب) وهي العبارة الكويتية التي استخدمها العازمي في بيته الأخير (جرد هالبيد تزمي وين أدوّر ظلال/ عين ترقب سهيل وعين صوب الجدي).
في المقابل اعتبر د. غسان الحسن أن النص مُشبِع، فقد جاء كوجبة شعرية رائعة، لكنه تمنى على الشاعر لو أنه بدأ بحالة مبهجة، كالتي جاءت في البيت (لاح بارق رجاي وقلت أشد الرحال/ واشعب اركاب فكري في دروب سعدي) الذي يدل على الحالة الإيجابية في الحياة. كما أوضح أن الشاعر عاد إلى وصف حاله السلبي من خلال البيت (موحش الليل في وجهي وبرده شمال/ كن خيل المواجع في حشاي تعدي)، في حين تجسدت الحيرة والتردد والضياع في (عين ترقب سهيل وعين صوب الجدي)، وتجسد اليباب والضياع في (يابسة يا فجوجي كم سفتك الرمال/ وكم كسر في ثراي القيض غصنٍ ندي)، وهو ما تبلور صراحة من خلال بحث الشاعر عن موقعه في العراء، لنجد مفاجأة رائعة – كما قال د. الحسن – تجسدت من خلال انطلاقة تمثلت في الصدر (شمّر البين يدّينه ومسّ الحبال)، والعجز (وجيت مزنٍ يهز القاع صوت رعدي)، وفي ذلك نقلة حقيقية، وقد استمر الشاعر في حالة الفرح إلى أن تلاقى بيته الأخير مع بيته الأول لإثبات الحالة الإيجابية التي يعيشها.
الصورة الكلية رائعة، والبناء متقن، والابتكارات شعرية تحسب لعبادي، والقصيدة تدل على تجربة ناضجة، والإلقاء جميل، كما قال الناقد سلطان العميمي الذي اعتبر أن في البيت (يابسة يا فجوجي كم سفتك الرمال/ وكم كسر في ثراي القيض غصنٍ ندي) تصويراً عميقاً وجميلاً، فجمع الشاعر بين عناصر البادية، من خلال الصور والكلمات، مثل (رمال، قيض، برد قحط)، وكلها تدل على الجفاف والتصحر لكن في إطار متفائل. كما لاحظ الناقد أن المكان حاضر بمختلف دلالاته في النص، في الأرض والسماء، وفي الأماكن المرتفعة.
كريزم.. النص الرائع
من المدخل فرض عدنان كريزم حضوره على لجنة التحكيم بداية، ثم على المتلقين، ما قاده إلى الفوز بأعلى درجات الحلقة، والتي أهلته للانتقال إلى المرحلة الثانية من المسابقة، فقال في أبيات مدخله:
سلام الله على الحد الجنوبي وأهله الوافين سلام الله على فزعة أخو نورة وأخو شمة
أنا ماني خليجي لكن العِشرة لها تثمين بغوني أول الجبهة انا جاهز على الهمة
لأجل سلمان زان الشان للميدان متجهين نفوق الجاش يا عفاش دونه لاش بالذمة
يا ابن زايد على الكايد ضربت وترهب المعدين أمرت جنود للموعود والمقصود ويل أمه
يطير أسطول طوله طول للمجهول متحدين يخض الأرض عرض بعرض لين نصير بالقمة
د. غسان الحسن سجل إعجابه بالمدخل بدءاً من البيت الأول، وكذلك بالبيت الثالث، وقال إنه نص جميل للغاية بما فيه من سجع وتلوين في الإيقاع، وما زاد النص جمالاً وتأثيراً تفاعل الشاعر معه، وكأنه نشيد عسكري لتجييش النفس.
أما أبيات قصيدة المسابقة فقد أبدع الشاعر وهو يعد أبياتها التالية:
يذوب الليل من ناري وأرضي ما لها أخبار تساقط غيم أفكاري دخيلك وامطري أكثر
على صدر الغريب اللي نبت في ضيقته أشعار سقاها من تناهيد الضلوع وشافها تكبر
تميل بغصنها يسقط من أشواق الوطن أثمار ورقها شارف السبعين لكن ف الشكل أصغر
أشوف القدس في سُدفه مثل كوكب بلا أقمار وحيد وشامخ ويَعكس بريق الدمع فالمحجر
زهمته في ظلال البُعد لو شمس الوصال تغار طرق صوتي على بابه ولا هو حاجبه معبر
أنا راجع ولي ماضي خلق للحاضر استنفار حضارة تجعل التاريخ في توثيقها يسهر
لك العُتبى ولا تحزن دموعي للشعر مدرار تواسي وجنة النكبة وخد النكسة الأحمر
دبكنا في بلاط الموت ما قِسنا مَدى الأضرار عصبنا الراس كوفية وصِرنا ف الحجر نفخر
هنا غزة معاناتي هنا ضفة على الأمرار هنا أقصى صرخ فزعه تعال وشوف هالمنظر
طفل مهمل على شارع هدم فيه الظلام أنوار ويبني في جوانبه الحزينة قسوة المهجر
وأمٍ تحضن الذكرى وتنحت ف الحشا تذكار ولدها ف الأسر مخفي؟ وتحلم معتصم يظهر
هنا يرقى شهيد العز في لحدٍ من الأزهار صدح رمل القبر فرحه بريح المسك والعنبر
وشايب من تجاعيد الوطن يعكز على الإصرار ذكر هبّة صلاح الدين بين الواقع الأغبر
ومثلك شاعرٍ يمشي على إطلالة الامصار نزف حرفه على نَعشي وِفا والجرح ما يطهر
وقفت وليلتي ذابت وبرحل عن حدود الدار قفا نبكي على داري ونكتم غصةٍ تقهر
وعن نص المسابقة قال د. غسان للشاعر: أعجب كيف استطعت الإلمام بتلك القضية الشائكة، بدءاً من الذات في البيت (يذوب الليل من ناري وأرضي ما لها أخبار)، وصولاً إلى (تميل بغصنها يسقط من أشواق الوطن أثمار)، حيث لكل كلمة إشارة وتاريخ ومأساة، وخصوصاً عندما ذهبت إلى القدس والأقصى وغزة، وإلى النكبة والنكسة. أما في النصف الثاني من القصيدة فقد ذهبت إلى الأجيال الفلسطينية، أي الأم والشهيد والطفل، ومع أن النص في ذلك الجزء يبدو مفككاً؛ إلا أنه يستقرئ الواقع، فالشايب حضر كل ما مر على فلسطين منذ النكبة، وثم جاءت الأجيال الأخرى التي تمثلت في الطفل والشهيد والمرأة التي تحلم بظهور المعتصم.
وأضاف د. غسان أن النص رائع جداً، إذ وجدنا الشاعر يقول (وقفت وليلتي ذابت وبرحل عن حدود الدار/ قفا نبكي على داري ونكتم غصةٍ تقهر)، وكأنه يدل على أن الأمور لم تتغير، فالصليبيين احتلوا فلسطين وبقوا فيها طويلاً، وكذلك الأعداء الأوغاد الذين ما يزالون فيها حتى اليوم، ولن يتغير الحال إلا عندما سيأتي من ينقذها، وختم د. غسان بقوله: إن الشعر متألق في النص للغاية.
سلطان العميمي وصف حضور الشاعر بأنه مهم، والنص بأنه مثقف وجميل، وقد لفت انتباهه أن الشاعر خلق من قضيته نصاً إنسانياً وذاتياً وشاعرياً من خلال الأم والشهيد والطفل، وأن خصوصية بلد الشاعر ظهرت واضحة. ففي النص ملامح مكانية وإشارات تاريخية وعناصر من الهوية، ففيه النكبة وغزة والقدس والأقصى، وهذا ما جعله يتوهج ويجعله جميلاً، مشيراً إلى أن أبياتاً كثيرة تستحق الإشارة والإشادة، وهو ما أكد عليه حمد السعيد، مشيراً إلى أن الشاعر ابن بيئته، وهو ما بدا في أبيات المدخل (أنا ماني خليجي)، أو في بيت نص المسابقة (دبكنا في بلاط الموت ما قِسنا مَدى الأضرار / عصبنا الراس كوفية وصِرنا ف الحجر نفخر)، ما يؤكد أن الشاعر صاحب الحضور المسرحي المتميز والحيوي تناول موضوعه بحرفة عالية من خلال نص وطني ومعاناة شعب وأمة، وبأسلوب ممتع حتى آخر بيت.
الزناتي..
مع فايز الزناتي كان آخر مشوار الأمسية، في أبيات المدخل التي جاء فيها:
لا صارت الهيّه ودار الرحى دار يقودنا اللي كل خطوه حسبها
سلمان لا ثارت ودخانها ثار صبّوا فناجيل العداة وشربها
ومعاه أخو شمة إليا صار ما صار سدد على روس الطغاة وضربها
وإيران لو كانت لها بعض الافكار محابل الارهاب للي نصبها
وإذا نسوا قلت اذكروا يوم ذي قار يوم العرب دقّت خشم من هزبها
ثم ألقى قصيدة المسابقة التي أشاد بها الناقد سلطان العميمي، والتي جاء فيها:
طوى الصبح سجاد الظلام ومضى ثلثين من الليل والشمس أقبلت حول مشرقها
والأفكار صارت تلحظ الفرق بالخيطين وِهِي تحمل هموم الرضا فوق عاتقها
تنادت خيوط النور تستنهض الغافين وأنا أقرا دهاليز الدروب ومِفارقها
تعبت أتهقوى شمعتي بالظلام سنين تعبت أتقهوى دمعتي غصب واخنقها
يطول الطريق ولا بكت للهقاوي عين وأنا صابحٍ نفسي بصبري وغابقها
تنصّف نهار العمر ما بين كيف ووين؟ والآمال بنتٍ تضحك لعين عاشقها
تعلّيت رجمٍ ما يمرونه الغاوين سوى شاعرٍ نفسه من الناس سارقها
يبي يختلي بأحزان قلبه عن الباقين ولا ودّه عيون المخاليق ترمقها
تقول الأماني باقيٍ في رقبتك دين وعلى صوت دحات عْنِزة جيت أحققها
حضرت وقصيدي خابره ويعرفني زين تعانقني جزال المعاني وأعانقها
قتلت الغياب اللي قهرني قبل عامين وابرقي سما وأوراق الإحباط أمزقها
وصلت لملاذ الشعر يا ربعي الغالين بلادٍ تراحيب الغلا ما تفارقها
عسى روح باني عزها للجنان آمين وعسى الله يعلي بالمعزّه بيارقها
إمارات لا والله منارات للسارين ضياها يشعّ بغرب الأرض ومشارقها
سلطان العميمي أشاد بحضور الشاعر، وبتفاعله المميز مع أبيات قصيدته التي وردت فيها أبيات متوهجة، وصور جميلة وجديدة، كما البيت (يطول الطريق ولا بكت للهقاوي عين/ وأنا صابحٍ نفسي بصبري وغابقها)، والبيت (تعلّيت رجمٍ ما يمرونه الغاوين/ سوى شاعرٍ نفسه من الناس سارقها)، حيث وُفق الزناتي فيها إلى حد كبير. ثم طلب العميمي من الشاعر تفسير الوقت في البيت (طوى الصبح سجاد الظلام ومضى ثلثين/ من الليل والشمس أقبلت حول مشرقها)، ومع أن البيت أعجب حمد السعيد كما الحال بالنسبة للبيت (تقول الأماني باقيٍ في رقبتك دين/ وعلى صوت دحات عْنِزة جيت أحققها)، إلا أن د. غسان الحسن لم يقتنع بالتفسير الذي جاء به الشاعر، لأن الوقت فيه تشابك وتناقض. ومن جهة ثانية لفت الحسن إلى أن النص خفيف، فالأبيات الثلاثة الأولى انشغلت بتوصيف الزمان، فبدأ الشاعر بالحديث عن نفسه، وقد استغرقت نهضته عدة أبيات، وآخر بيتين كانا للمجاملة، كما في النص ثلاثة أبيات للمسابقة، أما الأبيات الشعرية فجاءت قليلة.
وعلى أمل اللقاء قدم كل من حسين العامري ومريم مبارك شعراء الأمسية القادمة في الحلقة الأولى من المرحلة الثانية، حيث سيجتمع على خشبة المسرح ستة شعراء هم أحمد بن جوفان العجمي، وبدر الكبيح من الكويت، وبلال ماضي/ من الأردن، خزام السهلي، ومسلط بن سعيدان المسعودي من السعودية، وطلال الشامسي من سلطنة عمان.