قرارات الدول العظمى لا تأتي كمفاجآت ، بل نتيجة لنضوج ظروف معينة بحيث أن المحلل السياسي يستطيع أن يتوقع تلك القرارات إذا توفرت أسبابها.
لا ينطبق هذا على القرار المفاجئ للرئيس الروسي فلاديمير بوتن بالانسحاب من سوريا فوراً، وكل المبررات التي ذكرت ليست واردة.
ليس صحيحاً أن القوات الروسية حققت أهدافها فما زال الصراع في سوريا بين النظام والمعارضة المسلحة غير محسوم ، وما زالت «داعش» و«النصرة» وجيش الإسلام وأحرار الشام وغيرها من المنظمات الإرهابية تملك القدرة على الحركة والتحدي.
وليس صحيحاً أن الانسحاب الروسي المفاجئ يسهل التوصل إلى حل سياسي في جنيف ، فمثل هذا الحل ما زال مستحيلاً كما كان دائماً ، لأن الحل التفاوضي يعني التوافق بين النظام والمعارضة ، فهل يمكن أن يوافق النظام على رحيل رئيسه كما يشترط وفد المعارضة المسلحة.
ولا يبدو أن الانسحاب الروسي استند إلى صفقة اميركية روسية بحيث تضغط روسيا على النظام مقابل أن تقوم أميركا بلجم حلفائها ، وبالتالي التوصل إلى حل ليس بين النظام والمعارضين ، كما يهدف مؤتمر جنيف ، بل بين روسيا وأميركا يكون مقتضاه تقسيم سوريا بين أنصار القوتين الأعظم.
وإذا صح أن الرئيس السوري وافق في اتصال هاتفي مع بوتن على انسحاب الروس ، فهذا مفهوم لأنه لا يملك خياراً آخر ، ولا يستطيع أن يمنع الروس من الانسحاب إذا شاؤوا.
بقيت نقطة نظام يجب أن تؤخذ بالاعتبار ، وهي أن الانسحاب الروسي المزعوم لا ينطبق على القاعدتين الروسيتين البحرية والجوية ، والحراسة عليهما بحراً وجواً وبراً ، وانهمـا سيواصلان القيام بمهماتهما كالمعتاد ، فأين إذن هي القوات البرية التي سوف تنسحب؟.
الحقيقة أنه لا توجد في سوريا قوات برية روسية غير تلك اللازمة لحراسة قواعدها الجوية والبحرية وقد اقتصر المجهود الحربي الروسي على تقديم غطاء جوي على أن يقوم الجيش السوري وحده بالعمليات القتالية على الأرض. وحتى المستشارون الروس لا ينطبق قرار الانسحاب عليهم.
إعلان الانسحاب الروسي قرار إعلامي بحت ، لعدم وجود قوات روسية برية يمكن سحبها!.
ومفاوضات جنيف سوف تفشل وتعود الأطراف إلى القتال في الميدان ليحققوا بالقوة ما لم يستطيعوا أن يحققوه بالمفاوضات ، وتواصل الطائرات الروسية القيام بما كانت تقوم به.
الراي