لماذا بدأ فلاديمير بوتين بالانسحاب؟ من أجل أن نطرح، جميعًا، هذا السؤال. كان واضحًا في المجيء وهو أن يحمي النظام من الانهيار، ويحول دون وصول المتطرفين، بقيادة شيشانية، إلى دمشق. وهو ما أقنع به الأميركيين وجعلهم يمشون إلى صفه، بدل العكس، أو بدل البقاء في الاتجاه المعاكس لهم.
وخلافًا للأميركيين، لم يكن في حاجة إلى غطاء دولي وقرار أزرق ومباركة السيد بان، لكي يرسل أساطيله وقاذفاته وضباطه إلى الساحل السوري، ومن ثم إلى الأجواء. هكذا قرر المجيء وهكذا يقرر الآن الانسحاب، وسط ترحيب غير مفهوم من الجميع: النظام السوري، والمبعوث الدولي، والمعارضة السورية، وأوروبا، وأيضا بتحفظ من الأميركيين الذين كانوا آخر من يعلم في الحالتين، الإياب والذهاب.
يريد بوتين أنه هو من يرسم خطوط الشرق الأوسط ويحدد مواعيده. وقد سلم له «ندّه» أوباما بالأمر عندما أعلن الانسحاب من جميع مرافق وقضايا المنطقة، إلا سلامة إسرائيل «والتزامه الأخلاقي بها». ولم يحدد بوتين فقط موعد الهجوم وموعد الانسحاب، بل تلذذ بالإعلان الأخير فيما الجميع يصلون إلى «قصر الأمم» في جنيف، وفيما تستمر على الأرض في سوريا هدنة عسكرية خففت بنسبة 80 في المائة (دفق جون كيري) من لوائح القتلى والجرحى والجوعى والمنازل المدمرة حتى أساساتها.
أطلق بوتين من موسكو في بداية السنة السادسة من الكارثة، صفارة السباق نحو مرحلة جديدة تمامًا. ماذا تسميها؟ ربما مرحلة «الأمر الواقع». يكف الروس عن قصف المعارضة، ويُتركُ للأميركيين والتحالف مواجهة «داعش»، وتُرسم في الغرف المغلقة خريطة هدنة طويلة تتكرس خلالها هيكلية سوريا الخارجة من الدمار.
وفيما يعلن الرسميون الأميركيون أن لا عودة إلى سوريا الماضية، ويقابلهم الرسميون الروس بالحديث عن «الفيدرالية»، يحدد بوتين من غرفة العمليات خطوط المنظور. ولشدة حرصه على التقاليد الديمقراطية، لا يعلن قراره العسكري هذا إلا محاطًا بوزيري الدفاع والخارجية.
وفي المقابل، يعلن أوباما في «مبدئه» أن خبراءه قد أساءوا التقدير وخدعوه. ويعلن أن مستشاريه منقسمون حول - تقريبًا - كل شيء. وفي الكرملين، اعتاد المستشارون ألا ينقسموا. من لديه اعتراض، أمامه باب الخروج.
الشرق الاوسط