نجح اعتصام طلبة الجامعة الأردنيّة في أن يطرح نفسه كقضيّة رأي عام بعد محاولات عديدة وحثيثة لتجاهله وإخماده، وهو برأيي أمر كاشف لأزمات أكبر بكثير من مجرد رفع رسوم الموازي.
وفي الوقت الذي أعتقد فيه أنّنا بصدد تراكم أزمات مجتمعيّة وسياسيّة واقتصاديّة، إِلَّا أنّني أودّ أن أحصر كلامي هنا في الحديث عن الجانب التعليميّ، وهو الرأس الظاهر لجبل الجليد العملاق.
الأزمة التعليميّة التي يعاني منها الأردن لا يمكن تجاهلها بعد اليوم، فمن المناهج التي تشوبها أفكار قد تؤسّس للتطرّف، إلى النمط التعليميّ المملّ وغير الصالح لإنتاج قيادات واعية مستقلّة التفكير، إلى الرسوم الباهظة لطلاب الموازي والماجستير وحتى المدارس الخاصة، يقف المواطن مُحبطاً أمام هذا المشهد القاتم!
سأل كثيرون: لماذا تضعون أولادكم في المدارس الخاصّة؟ والجواب هو أنّ من يسعى وراء العلم ويحبّ الخير لأبنائه يبيع كل ما يملك لتأمينه إيمانا من ذوي الطلبة بأنّ العلم هو الطريق الوحيد للخلاص، وهذه هي الحقيقة فعلاً.
ثم سأل آخرون: ما جدوى نظام الموازي؟ وإذا كان لا بد له أن يكون، فليدفع المقتدرون ثمن إخفاق أبنائهم في التحصيل العلمي في الثانوية العامة. وأنا أقول: هذا تعميم ينطوي على الكثير من الإجحاف وفيه إلصاق لصفة الفشل أو الغباء أو ( معليش معاهم مصاري) على طلبة الموازي!
ينبغي على المواطن ألّا ينسى أن التعليم هو حقّ للجميع، وأنّ من واجب الدولة أن توفّره مجّانا أو برسوم معقولة. ولكنّ واقع الأمر في الأردن يقول إنّ التعليم هو من أكبر الأعباء والهموم الملقاة على كواهل الأهالي، لدرجةٍ تدفعهم الى الاقتراض وبيع العقارات والاضطرار للسفر، وهو ليس من العدل في شيء.
لا شكّ وأن الاعتصام السلميّ أمر مكفول كما هو الحال بالنسبة لرفضه وانتقاده. ولكن ما يقلقني ويثير غضبي هو لجوء البعض إلى أساليب غير أخلاقيّة في الانتقاد: من شيطنة وتسخيف المعتصمين إلى إلصاق تهمة "الإرهاب السخيف" بهم، فضلا عن تعاطي المخدرات وغيرها من اتهامات بشعة. أضف إلى ذلك الطريقة المنحازة وغير المهنيّة بل وغير الأخلاقيّة التي لجأ إليها الإعلام الرسمي في التعاطي مع الأزمة، وهي اتهامات خطيرة يجب وضع حدّ لها كونها تندرج برأيي تحت بند القمع والإرهاب الفكري لفئة واعدة من مجتمعنا. ما هكذا تورَدُ الإبل وما هكذا ينبغي لنا أن نعامل شباباً في هذا العمر ومن تسمّونهم أبناء الوطن.
إنّ أزمات الجامعات الإداريّة والتعليميّة والماليّة ليست مشكلة الطلبة فهم ليسوا طرفا بها، وترحيل هذه المشاكل بشكل أو بآخر على الطلبة هو دليل آخر على فشل هذه المؤسسات وسوء الإدارة وغياب القيادات الحكيمة ذات الرؤى الواضحة. كفى استفزازاً للطلبة وإطلاقاً للتهم لإضعاف اعتصامهم! وإن لم يكن من اللّوم بدّ، فلا تلوموا إلا أنفسكم.
ويقول آخرون إنّ ثمّة جهات مشبوهة وراء الاعتصام وإنّه مسيّس. وأنا أقول: لو صح ذلك، فهذا لأنكم لم تحموا الاعتصام ولم تقوموا بما يلزم لتحصينه، بل وجعلتم منه بيئة خصبة للاختراق. أمّا بالنسبة للتسييس، فلا أعرف أين المشكلة في ذلك، فالتيّارات السياسية جميعها هي بالنهاية جزء من المجتمع ولها الحق في المشاركة في صياغة المطالب الطلابية.
بناء على ذلك، أترك بين أيديكم هذه الأسئلة والتي تدور في أذهان المواطنين والأهالي:
- إذا صحّت اتهاماتكم للطلبة من إرهاب سخيف وتعاطٍ للمخدرات، ألا ترون أنّ في ذلك إدانة لكم كون الطالب هو في النهاية منتج الجامعة والنظام التعليمي؟
- ما هي الخيارات المتاحة أمام الطلبة الذين لم يحالفهم الحظ بالقبول من غير المقتدرين ماديا؟
- وماذا عن أولئك الذي حالفهم التوفيق بمعدل متميّز وعالٍ ولم يكن أمامهم سوى الموازي؟
- وهل تعتقدون أنّ كلّ طالب موازي هو من عائلة غنيّة؟
- إلى متى ستبقى الحكومة ومؤسساتها تحل مشاكلها الماديّة على حساب جيوب فقراء هذا البلد؟
- إلى متى ستتخلى الدولة عن الأسلوب الأبويّ في التخاطب مع الشعب؟
- متى سيصبح التلفزيون الأردني منبرا للشباب وقضاياهم وهمومهم؟
- إذا كان الإنسان أغلى ما نملك، فلماذا لا نستثمر في بنائه؟
في ظلّ عدم قدرة المؤسسات التعليميّة على تحقيق أهدافها النبيلة في بناء الوطن والمواطن، فقد أصبح طلب العلم في بلادي حرباً ماراثونية يخوضها الأهالي من لحظة دخول أبنائهم إلى الروضة وحتى الجامعة- سواء من هم في الوطن أو من تغرّب قسراً، دون أن يكون لهم الحق حتى بالتألّم والشكوى.
* الكاتب أردنية تقيم في ملبورن الاسترالية