لم أقتنع بأن الحمار محسود على راحة عقله من التفكير الا بعد أن درست القانون , وبالذات القانون الدستوري الذي أشبعنا به أساتذة جامعتنا مثاليات ونظريات , فقد قالوا لنا في الجامعة أن الدستور هو القانون الاول في الدولة وقالوا أنه أسمى قوانين الدولة , وقالوا أنه الركن الاساس الذي تقوم عليه الدولة , ولذلك تطلق عليه بعض الدول عبارة ( القانون الاساسي ) . ولكن أساتذة جامعتنا كذبوا علينا حين أخفوا عنا أن رجال السياسة والتشريع هم القانون الاساسي للدولة وهم الدستور , لسبب بسيط وهو أنهم يأتوننا بقوانين تنقض عرى الدستور وتلتف على أحكامه بينما يتبجحون بالتزامهم حكم القانون .
لذلك فأنا أتفجر غيظا وأنا أعرف أنهم يخرقون أحكام الدستور بل أنهم يعرفون أن النص في قانون مخالف للدستور ولكنهم يحرفون الكلم عن مواضعه وليس لنا من وسيلة للطعن لأننا لانمتلك محكمة دستورية نرفع اليها قضية للفصل فينما اذا كان هذا القانون أو ذاك مخالف للدستور , ومن هنا فقد أقتنعت أن الحمار فعلا محسود على راحة باله وعقله ولذلك لم نسمع يوما عن حمار أصيب بجلطة .
مناسبة هذا الحديث هو النص في قانون الاجتماعات العامة الذي أقره مجلس الامة مؤخرا على أن للحاكم الاداري الموافقة أو رفض طلب عقد الاجتماع العام , سندا لنص الفقرة الاولى من المادة 16 من الدستور التي تقول ( للأردنيين حق الاجتماع ضمن حدود القانون ) .
المصيبة في عبارة ( ضمن حدود القانون ) وحيث أن القانون ينص على طلب الاذن المسبق من المحافظ وينص على أن من حقه الرفض فان حدود القانون هي قرار المحافظ , اذن فالمحافظ لم يخالف القانون ان قبل وان رفض , بالعكس انه يحترم القانون ويمارس صلاحياته ضمن حدوده ؟!! يالله كم نحترم القانون في بلادنا !! .
ولكن السادة الذين أقروا القانون والذين يطبقونه لم ينتبهوا الى أنهم وضعوا رقبة الدستور في يد المحافظ الذي أصبح من حقه أن يخنقه أو يعتقه , لأنهم تجاهلوا أو لم يتنبهوا للنص الدستوري بدقة ( للأردنيين حق الاجتماع ضمن حدود القانون ) .
يعني أن حق الاجتماع مؤكد ومضمون , أي أن الموافقة محمية بالنص الدستوري والطلب مجاب مسبقا من الدستور شريطة أن يتم الاجتماع ضمن حدود القانون , بمعنى أن القانون ينظم كيفية ومكان الاجتماع مثل أن يخصص ساحات معينة أو يمنع الاجتماع في بعض الاماكن مثل الشوارع العامة أو المدارس أو المناطق العسكرية أو يمنع الاجتماع في وقت مبكر جدا أو متأخر من الليل وما شابه ومثل أن يشترط أخبار المحافظ قبل مدة كافية محددة , وهي كلها أمور تنظيمية لايمكن أن ينص عليها الدستور وترك أمرها للقانون .
أما أن يكون للمحافظ حق المنع فان ذلك يعني تعطيل النص الدستوري , وكأننا نقول : الدستور يمنح الاردنيين حق الاجتماع والمحافظ يصادره منهم .
ان الف باء القانون الدستوري أن القوانين تنظم كيفية ممارسة الحقوق الدستورية وليس كيفية المنع من ممارستها .
أيها السادة الذين تضعون القوانين ان طالبا تخرج للتو من كلية الحقوق يعرف أن قانون الاجتماعات العامة مخالف للدستور .
*الكاتب محام.