تبدأ اليوم مباحثات جنيف غير المباشرة بين دمشق الرسمية والمعارضة السورية، وقبيل الانتخابات أعادت المعارضة السورية، تأكيد موقفها حول ضرورة رحيل الاسد قبل بدء تنفيذ خطة الحل السياسي، فيما خرج علينا وليد المعلم وزير الخارجية السوري ليعيد ذات المواقف، حول ان الاسد «خط احمر» بالنسبة للسوريين، ولم يحدد لنا، عن اي سوريين يتحدث هنا، فقد بتنا امام عدة انواع من السوريين، داخل سورية، وخارجها ايضا.
منذ هذه اللحظة يتبدى فشل جنيف، والارجح ان هناك اطرافا داعمة للمعارضة السورية، تضغط عليها من اجل الاصرار على رحيل الاسد، وهو ضغط يلقى قبولا فطريا من ذات المعارضة التي لايمكن لها ان تتنازل ايضا عن هذا الشرط، لاستحالة تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك بها المعارضة تحت مظلة الاسد، فهذا التصور مهزلة بحق، ولا يختلف عن مبدأ تدجين الديوك لتصير دجاجا في قن النظام.
بالمقابل فإن الوسطاء الدوليين يتحدثون عن ثلاث مراحل، من بينها تشكيل هيئة انتقالية واجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، والحقيقة ان اللغة الدبلوماسية الغامضة للقرارات، تجعلها قابلة للتأويل من حيث التفسيرات، فلا كلام محددا عن رحيل الاسد، قبيل بدء العملية السياسية، ولا تلام دمشق الرسمية من حيث اعتبارها الاسد، خطا احمر، فلا اجبار نصيا في قرارات جنيف على رحيل الاسد بشكل مباشر، مثلما تريد المعارضة السورية، وترحيل ازمة بقاء الرئيس او خروجه من موقعه الى الانتخابات الرئاسية يعني فعليا عودة الاسد رئيسا.
جنيف ستضع المعارضة امام خيارات صعبة جدا؛ لأن فشل التسوية السياسية، بهذه الطريقة سيضعها امام الحلول الواجب اتخاذها، والارجح ان هذه الحلول ستنجم عن توافقات دولية سواء باتجاه التدخل العسكري او تقاسم وتقسيم سورية، او حتى سيناريو سورية الفيدرالية الذي بات الروس يتبنونه، ويجد صدى عند بعض العواصم، ولن تكون المعارضة هنا، طرفا اساسيا، بقدر كونه ظلا للعواصم الراعية للازمة السورية.
علينا ان نتوقع اذًا احد أمرين في جنيف، الاول حدوث اختراق مفاجئ على جبهة مفاوضات جنيف بحيث تقبل المعارضة السورية بقاء الاسد، ضمن سقف زمني محدد، وفي الحد الادنى عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية، حتى لايعود عبر صناديق الاقتراع، وهذا احتمال قليل.
الأمر الثاني، فشل المفاوضات كليا، وانفجار الوضع امنيا في سورية، وانهيار الهدنة، واعادة تدوير الازمة من جديد، بحيث نكون امام سيناريوهات عديدة، اشير اليها، هنا، مثل التدخل العسكري او التقسيم او فدرلة سورية.
في كل الحالات لا يمكن اعتبار مفاوضات جنيف هذه المرة، مثل كل مرة، وفي الاغلب هي مفاوضات حاسمة جدا، لما بعدها، وفاصلة ايضا، من حيث كونها العتبة التي ستقرر الكثير بشأن الملف السوري، واعتبارها فرصة جذرية واخيرة ستقرر مآلات الملف السوري، على عكس كل اللقاءات السابقة، التي كان متاحا بعدها، التفاوض وإعادة التفاوض وشراء الوقت وغير ذلك من جدولة سياسية لهذه الأزمة.
لكننا في غمرة هذا المشهد، نقر بحقيقة خطيرة، تقول: إن المعارضة السورية ضعيفة، ومفرطة في الضعف، مقارنة بنظام متماسك، وجزء من معسكر ممتد لا يتعب، فيما لعبة عض الأصابع بين الطرفين، لا تبشر بنتائج إيجابية للشعب السوري في كل الأحوال.
الدستور