بعكس ما كان متوقعا، لم تحظ عملية اربد ضد خلية داعش الارهابية، رغم خطورتها باعتبارها اول مواجهة على الارض الاردنية مع هذا التنظيم، باهتمام الاعلام الاسرائيلي، الذي مر عنها مرور الكرام دون تحليل او تعليق، فكان امرا مستغربا.
على مدى الاشهر القليلة الماضية لم تخل منتديات الفكر الاسرائيلية، ومؤتمرات مراكز دراسات الامن في الدولة العبرية من التحذيرات حول خطورة عصابة داعش واقترابها من اسرائيل، حتى ان القادة الامنيين هناك صرحوا ان "عملية لداعش داخل اسرائيل ما هي الا مسالة وقت فقط ". ( يديعوت احرونوت 7 /12/2015 )
وكان الجنرال جادي ايزنكوت رئيس اركان الجيش الاسرائيلي، وخلال خطابه امام مؤتمر هيرتسليا للامن القومي الاسرائيلي، وبعده عاموس جلعاد، وغيرهم حذروا من خطر داعش واقترابه من اسرائيل، رئيس الموساد الجديد يوسي كوهين، والذي تسلم مهامه رسميا مطلع العام الحالي، وضع حماس وايران وداعش على سلم اولوياته . ( هارتس 13 و 19 /1/ 2016 )
نتنياهو الذي استثمر فزاعة داعش في حملته الانتخابية الماضية، والتي تمخض عنها فوزه بولاية رابعة ، كان الشهر الماضي فقط، في جولة على الحدود بين اسرائيل والاردن، تفقد خلالها السياج الامني الذي يشيده جيشه لحماية " الفيلا-اسرائيل " من خطر " الوحوش" المحيطة، ويقصد بهم هنا الدواعش ، الذين قد ياتون من الشرق -اي الاردن -.( هارتس 9/2/2016 )
كمراقب شرس للشان الاسرائيلي واعلامه، كنا نلاحظ ان عمليات تنظيم داعش الارهابي الناجحة، وهنا اود التاكيد على كلمة "الناجحة"، والقريبة من حدود اسرائيل مثل عمليات "ولاية سيناء" والشيخ زويد المصرية، وحتى تلك التي وقعت في القاهرة، كانت تحظى باهتمام بالغ في تغطية الاعلام الاسرائيلي الذي كان يفرد لها مساحات واسعة، ويتناولها بالتحليل العميق للوقوف على مدى خطورتها على امن اسرائيل .
بعد انتهاء العملية الامنية في اربد، فجر الاربعاء ( 2 مارس ) وما تلاها من اعلان رسمي اردني باحباط مخطط ارهابي كبير كانت تعد له داعش هناك، ونتج عنها استشهاد الضابط راشد الزيود، واصابة خمسة من رفاقه، بعد اشتباكهم لعدة ساعات مع ارهابيي داعش، واسفرت العملية عن قتل 7 ارهابيين والقبض على 13 اخرين ، رغم كل ذلك، اكتفى الاعلام الاسرائيلي بشقيه : العبري الموجه للداخل الاسرائيلي ، والانجليزي والعربي الموجه للعالم، اكتفى بنشر ما تناقلته فقط وكالات الانباء العالمية بالاعتماد اساسا على ما كانت تبثه وكالة الانباء الاردنية الرسمية.
ولم يتطرق لعملية اربد سوى موقع "ديبكا فايل" الاستخباري التجاري المعروف بكثره تلفيقاته، وعدم موثوقيته في الوسط الاعلامي الاسرائيلي والصحافة السائدة هناك لدرجة انه لا ينقل عنه شئ، حيث اورد رواية ممجوجة فيها كثير من التهويل والاكاذيب.
وعلى غير العادة، خلت ملاحق نهاية الاسبوع للصحف الاسرائيلية العبرية، والمعروفه بدسامتها الاعلامية من مقالات وتحليلات مطولة، وحسبما رصدناه، خلت تماما من اي ذكر لعملية اربد رغم اعلان الاردن رسميا ان مرتكبيها من الدواعش الذين تحدث عن خطورهم قبل فترة وجيزة فقط نتنياهو وايزنكوت وجلعاد وغيرهم، رغم انه لم يقع على الساحة الاسرائيلية اي حدث كبير قد يطغى على هذا حدث الاردن، فلم تكن هناك عمليات طعن، او وتيرة عالية لانتفاضة السكاكين والافراد الفلسطينية، مما زاد من الاستغراب.
الاسئلة المطروحة هنا، لو لا سمح الله نجحت خلية داعش في تنفيذ هجماتها في اربد، واوقعت ضحايا كثر نتيجة استخدام الكميات الكبيرة من الاسلحة والمتفجرات والاحزمة الناسفة التي ضبطت بحوزتها، هل سيمر عنها الاعلام الاسرائيلي مرور الكرام كما فعل بعدما احبطت المخابرات الاردنية العملية ؟ ما سر اهتمام الترسانة الاعلامية الاسرائيلية بعمليات داعش الناجحة فقط ؟ هل يمكن الافتراض ان الموساد الاسرائيلي ربما كان متورطا في عملية فاشلة احبطها فرسان الحق في جهاز المخابرات ؟ للعلم فقط الاسرائيليون لا يتحدثون سوى عن عملياتهم الناجحة، وهذا امر طبيعي.
واخيرا نلفت الانتباه الى ان عمليات داعش الارهابية "الناجحة" في المنطقة تخدم كثيرا الهواجس الامنية الاسرائيلية، فمن خلالها يمكنهم تدعيم ادعاءاتهم امام المجتمع الدولي، ويحصلوا على الترتيبات الامنية التي يطالبون بها في اي تسوية سلمية مستقبلية.