يراهن بعض المشتغلين عن عبث بالسياسة على نتائج سلبية يتمنونها من الحراك السياسي النشط الذي يميز الساحة الاردنية, ابتداء بتوقيع عرائض ومذكرات تعترض على بعض السياسات الحكومية الاقتصادية والاجتماعية..وصولاً إلى دعوة بعض المنشغلين بالهم العام إلى عقد مؤتمرين وطنيين لتبادل الرأي
والمشورة حول الاوضاع الراهنة, ويتناسون أن معظم الداعين لهما لم يكونوا
يوماً من المحسوبين على المعارضة التقليدية، وإنما هم إما ممثلون لقوى
اجتماعية, أوموظفين كبار سابقين شغل الكثير منهم مسؤوليات هامة في
الدولة. ويؤخذ على بعضهم أنهم كانوا في فترة من الفترات يمثلون رأس
الحربة ضد الذين يوقعون معهم هذه الايام . وينسى المراهنون ان
الديمقراطية التي ينعم بها بلدنا هي التي تتيح لهذا التحرك أن يظل آمناً,
وأن تحركاتهم هذه لو تمت في عهد قيادة أحدهم لدائرة المخابرات العامة
لكانوا جميعاً يعيدون افتتاح معتقل الجفر ويعيدون إليه أمجاد الخمسينات .
يرى هؤلاء أو يتخابثون فيعلنون أنهم يرون أن هناك مؤشرات تحذر من أخطار
قادمة تتهدد مشروع الدولة الأردنية, ( يا سلام ) وهم لذلك ينادون بضرورة
تعديل آليات الحكم ؟؟؟، أوضرورة ترتيب ملف العلاقة الأردنية
الفلسطينية؟؟؟, ويعتقدون, أو هم يعلنون أنهم يعتقدون أن هناك تغييباً
للمشروع الوطني الذي يؤكدون أنه يتصدى للتهديدات الإستراتيجية
الإسرائيلية الهادفة إلى تفكيك مقومات الدولة وتفريغ الجغرافيا الأردنية
من فكرة الوطن ( ياعيني ), ويصلون إلى حد الدعوة إلى صياغة دستور جديد
(الله الله) , لكنهم بخبث لايخفى على الأطفال .. وسذاجة متعمدة يغلفون كل
ذلك بالدعوة للحفاظ على النظام الملكي باعتباره شرطاً من شروط ديمومة
الدولة، لكن جرأة بعضهم وصلت الى المطالبة بالحد من نفوذ القصر الملكي
وطالبوا بأن تكون الحكومات منتخبة لا يقودها من ليس له صفة تمثيلية.
وربما على الطريقة الانجليزية .
والواضح أن من يقود هذا التيار يقف في الجهة المضادة لمن يتولون
المسؤولية في مفاصل الدولة متهمين إياهم بانهم قوى التبعية المحلية (شو
يعني ) والمافيات المالية العاملين على استباحة البلاد والعباد (ممكن حدا
يفهمنا المعنى ), واغتصاب أراضي الدولة, وتحويل الأردن إلى سوق للسمسرة
العقارية وغسل الأموال, وذلك كمقدمة لتصفية الأردن العربي, وتحويله إلى
مجال حيوي للعدو الصهيوني. ويتناسى هؤلاء بخبث شديد الوضوح أن الكيان
الاردني هو النقيض الرئيسي لدولة اسرائيل, ولكن ليس بالصراخ والشعارات
الفارغة , وانما بالعمل الجاد المستمر على إدخال المنطقة في فترة سلام
تفقد خلالها الدولة العبرية الزخم الضامن لاستمرارها, لأن الأساس فيها
أنها دولة عسكر لايمكنها النمو إذا تقلص دور مؤسستها العسكرية , وهو دور
لايمكن له النمو في ظل السلام , ولان بيئة نموه تقع في خانة الحرب والدم
. واقتصادياً ينعق علينا هؤلاء بان البلد بمجمله يقع تحت سيطرة برامج
صندوق النقد الدولي ورجالات البنك الدولي اللذين باشروا بتفكيك الدولة
والمجتمع وتدمير الطبقة الوسطى, وبما يعمق الأزمة السياسية والاقتصادية
والاجتماعية بشكل خطير وغير مسبوق.
قد يكون كل ما يطرحه هؤلاء – على علاته – مقبولاً لغايات النقاش والحوار,
لو كان معروفاً عن طارحيه الصدق في التعامل الايجابي مع قضايا الوطن, أما
أن يكون هؤلاء خليطاً من أسلامويين متخصصين في الولاء لحماس يسعون لالحاق
وطننا بتجربتها الشوهاء في غزه, قفزوا إلى مواقع النفوذ في تنظيماتهم في
غفلة من الزمان. أو محترفي قمع فكري وامني لايكاد سياسي أردني أبدى أيام
سطوتهم نوعاً من المعارضة ينسى وقع صفعاتهم, لكنهم يبحثون اليوم عن أدوار
مفقودة بكل ما يتوفر من الوسائل, أو محترفي طفولة يسارية مبنية على
أحاسيس مذهبية وقومجية مراهقة, يراهنون على الطفو على سطح الاحداث عبر
علاقات خارجية معلنة فعلاً لكنها ليست نظيفة , أو فاشلين يفتشون عن
نجاحات آخر العمر, بعد فشلهم في الحصول على أدوار حقيقية رغم انهم تنططوا
بين العديد من التنظيمات الساسية الوطنية والقومجية واليسارية, فان ذلك
يدفعنا للتشكيك بالاهداف, التي يبدو مؤكداً أنها لاتستهدف خير الوطن بقدر
ما تمضي نحو أهداف شخصية بحتة.
فأن يطلع علينا الشيخ الاشكالي بني أرشيد وهو من قيادات الاسلام السياسي
ومن جماعة الاخوان المسلمين مندداً بما وصفه تغييب رجالات لها أدوار
سياسية هامة في الدولة وإقصاء كل صاحب رأي يعترض على سياسات الحكومات
وعدم الاعتراف بالقوى الأهلية الفاعلة, فان ذلك لايستدعي غير القول سبحان
الله , فبني رشيد الذي أقصى رجالات كانت لهم أدوار سياسية هامة في جماعة
الاخوان المسلمين ينصب نفسه مدافعاً عن رجل المخابرات القوي أحمد عبيدات,
وأن يفاجئنا آخر بالدعوة الى مبادرة إنقاذ تتلخص في ان على الدولة
الاردنية أن تغير آليات الحكم والفريق الحاكم وأن تلجأ الى تعديل آليات
اختيار هذا الفريق كأساس لإنقاذ الدولة الأردنية وبقائها أمام العواصف
السياسية، خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومحاولات تصفيتها على حساب
الأردن, ,فا كل ذلك يؤكد ويؤشر إلى الاهداف الشخصية من وراء هذه الدعوات
, التي لن تجد من يستمع إليها غير مطلقيها .
ويطلع علينا صوت نشاج آخر يرفض الوحدة الاردنية الفلسطينية لان القيادات
الفلسطينية لاتحظى برضاه, بينما ينظر ليل نهار لانتصارات حزب حسن نصر
الله والجنرال البرتقالي في لبنان, ويكرس قلمه لتدبيج المدائح لنظام
الولي الفقيه الفارسي, ثم ينتقد المقاومة العراقية لانها لاتسير حسب
نصائحه, ويقترح على الدولة العراقية اسماء أشخاص هامشيين منذ ولدتهم
أمهاتهم وإلى أن يشاء الله ليتسلموا المنصب الاكثر أهمية في بلاد
الرافدين,ويأخذ على ما يسميه المقاومة العراقية أنها لم تستمع لنصائحه
الثمينة , ويحدثنا عن مباحثات أجراها مع شيخ الشباب مشعل تحت ظلال قاسيون
وفاوضه أثنائها على الشكل المرضي عنه لنشاط حماس في الاردن , وفي كل ذلك
دلالة على مرض خطير يتعايش الرجل معه ويحتاج الى علاج يشفيه من أوهامه
.
لسنا ضد الحراك السياسي في بلدنا لانه دليل عافية , لكننا بالتاكيد ضد
الدعوات المنطلقة من أجندات شخصية , تجرأ بعضها على الدعوة إلى الحد من
دور الملك في صنع السياسات العامة , وتناسى بخبث متعمد أو عن جهل نبارك
له به, أن سياسات القيادة الهاشمية منذ الملك المؤسس ومروراً بالملك
الباني, ووصولاً إلى الملك المعزز .. وإلى أن يشاء الله هي التي حمت
الكيان الاردني الذي يزعمون الدفاع عنه . وإذا كان هؤلاء توهموا أنهم
يمثلون بعض نبض الشارع, فانهم يجهلون أن الشارع يعرف جيدا ألاعيبهم ,
ويؤكد لهم أنهم إنما ينفخون في قربة مثقوبه .