ضعف الاستفادة من الدروس المجاورة
د.رحيل الغرايبة
13-03-2016 02:10 AM
أكثر ما يؤدي إلى الرّعب والفزع الذاتي الذي يقطع الأوصال أن لا تتم الاستفادة من الدروس المجاورة، وأن نتسم بالعجز عن قراءة الأحداث في سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا غيرها، ومصدر الرعب يأتي من خلال الإصرار على ممارسة الطريقة ذاتها، واستخدام الأداة نفسها التي أدت إلى هذا المآل المنظور، فليس معقولاً أن لا يتم رؤية أنهار الدم وأكوام الجثث، وأن تعجز أنوفنا عن شم رائحة الموت التي بلغت عنان السماء، وأن لا يتم الوقوف على عمليات تدمير الدول والمؤسسات التي ربما تحتاج إلى عشرات السنين ومئات المليارات من أجل إعادتها إلى نقطة الصفر، أو إلى وضع ما قبل الأحداث.
الاستفادة من الدروس القاسية لا تتم عبر الانقسام الشعبي مع وضد أي من الفريقين المتصارعين، ولن تتم عبر إلقاء التهم والخوض في معركة التلاوم وتبادل القذف وكتابة العرائض وإصدار البيانات المكررة، التي تكرّس المنطق نفسه الذي أدى إلى شرعنة حمل السلاح بين أبناء الشعب الواحد وشرعنة الاقتتال والحرب الأهلية المقيتة التي تتغذى على بذور الفتنة المزروعة في صفوف المواطنين منذ سنوات طويلة.
الدروس المستفادة لها وجهان، وجه يتعلق بالأنظمة والحكومات أصحاب السلطة والمسؤولية على المستوى الرسمي، والوجه الثاني يتعلق بالشعوب والجماهير والقوى الحزبية والسياسية وأصحاب الكلمة والأثر على المستوى الأهلي ومؤسسات المجتمع المدني.
أهم معالم الوجه الأول يمكن قراءتها من خلال التوقف على نقاط القوة والضعف التي كانت تملكها الأنظمة السياسية العربية الحاكمة قبل الانهيار، من حيث القوة العسكرية والأمنية والأجهزة الكثيرة والعديدة، والإمساك بالاقتصاد وحركة المال، بالإضافة إلى السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام والاتصال والتوجيه والتأثير، بالإضافة إلى احتكار بعضها لخطاب المقاومة والممانعة ومواجهة المؤامرات الخارجية، ولكن ذلك كله لم يستطع حماية الأنظمة والحكومات، مما يعني ضرورة البحث عن فقدان نقطة القوة الكبرى التي توازي كل ما سبق والتي تتمثل بقوة السند الشعبي وقوة الالتفاف الجماهيري حول القيادة، ونقطة الضعف المتمثلة بفقدان الشرعية الوطنية التي يمتلكها شعب الدولة لوحده، ولا يمكن استبدالها بأي شرعية أخرى ولا يمكن استيرادها أو صناعتها بعيداً عن المصدر الحقيقي الوحيد.
أما ما يتعلق بمعالم الوجه الثاني وما يتصل بالجماهير والقوى السياسية فينبغي عدم حصر الفاعلية السياسية بالتبعية والتجييش، وإنما يجب أن تتوجه الجهود نحو الفاعلية المتعلقة بإعداد البرامج وإنجاز البدائل وعدم النزوع إلى الفوضى والهدم، لأن التبعية والتجييش التي لا تؤدي إلّا إلى الفوضى، فهذا محصن الضرر الخطير الذي يلحق بالدولة وعلى الجملة، شعباً وحكومةً ومؤسسات كما أن الفوضى تشكل مرتعاً للتطرف، وبيئة مناسبة لرعاية بذور الإرهاب، حيث أن التجربة تشير بوضوح أن كيانات التطرف والإرهاب تجد فرصتها في البلاد التي تعاني من الفوضى، وتعاني من غياب السلطة والحكومات المركزية القوية القادرة على حفظ النظام العام.
الأحزاب السياسية يجب أن تغادر أدبيات العمل السياسي السابقة وأساليب النشاط السياسي التقليدية التي تقوم على فكرة التجييش والتبعية، ويجب أن تنتقل إلى تجمييع الكفاءات وحشد الطاقات والتخصصات المختلفة القادرة على إنجاز البرامج العملية التي تحقق طموحات الناس في الانتقال إلى مستويات التحضر والتقدم المطلوب، وضرورة الذهاب إلى حل مشاكل المجتمعات المستعصية، خاصة تلك التي تتصل بالفساد وإهدار المال العام، وعدم القدرة على استثمار الموارد العامة فيما يحقق المصلحة العامة.
الدستور