لا مفاجأة أبداً حينَ تكونُ صحافياً. تُعلِّمكَ المهنةُ أنَّ خبراً ما في الطريقِ إليك. وقد تكونُ أنتَ خبراً يُنشرُ في صحيفتكَ، فتقرأُ نصَّهُ، وتنظرُ إِنْ كان ثمة أخطاء في الكتابة. هل المقدمةُ صحيحة. هل كان العنوان خبرياً مباشراً. هل كلّ فاصلة في مكانها. ماذا عن الشقيقات الخمس. ما معنى الخبر، وما المحذوفُ منه؟
تلكَ حرفة. المسمارُ مدقوقٌ جيداً. وعلى الخشب أنْ يحتملَ قسوةَ المنشار من أجل شكل جديد. هذه الطاولة يجب أنْ تستقرَّ على الأرض، وتصلحَ للطعام أو الكتابة، وعلى النجّار أنْ يحذرَ من ميَلان الزوايا، مِثْلَ ذلك الخبر. الصحيفةُ منْجَرةٌ، وقد يصنعُ النجَّارُ تابوتَهُ، وينسى أنْ يُراعي فيه طولاً مريحاً للجَسَد.
كنتُ نجّاراً على نحوٍ ما في خمس صحفٍ يوميّة: "الرأي" و "الغد" الأردنيتين. "النهار" اللبنانية. "الحياة" اللندنية، وأخيراً في "الإمارات اليوم" التي عشتُ فيها 11 عاماً، بينَ كثيرٍ من الأشجار والينابيع والأخبار، وغادرتها الأسبوع الماضي إلى غابةٍ أخرى، تخلو من الورق والحبر والأغصان، مِثْلَ حطَّابٍ رؤوم، لم يضربْ بفأسهِ جذعاً أخضر.
غداً.. إلى صحيفةٍ رقميةٍ، وإلى شجرةٍ أخرى، يحملها شابٌ في جيبه، ويقطفُ ثمارها في المقهى، وإلى لغةٍ ومجازٍ يمشي بلمسةِ إصبع، فيما تغزلُ الشقيقاتُ الخمسُ أغنياتهنَّ للحطّاب، وهو يرمي الفأسَ إلى قاعِ الوادي، وينظرُ للشمسِ، ويصيحُ: يا لَهُ من خبرٍ سعيد..